“الحمدلله أني كبرت”
إب نيوز ١٩ يوليو
د. أسماء عبدالوهاب الشهاري
هذا ما شعرت به وكتبته ذات يوم، ملخصةً إياه في ثلاث كلمات لا زلت أتذكرها “ليتني لم أكبر”؛ أدرك أنني لستُ بمفردي.
“عندما كنا صغاراً كان منظورنا للأشياء مختلفا كثيراً عما هو عليه اليوم…
حينها كنت أعرف أن جامعة الدول العربية عاجزة لكن لم أكن أعرف أنها متواطئة!
كنت أستمع للسديس ومشايخ الحرم المكي و تعجبني قرائتهم وتذكرني بالحرم المكي، لكن عندما أستمع إليهم اليوم أتذكر الدمار وأنهاراً من الدماء في اليمن وسوريا والعراق و غيرها من الدول العربية والإسلامية…
أيضاً كنت أستمع لدعائهم وخطبهم فتعجبني فقط كنت أتساءل لماذا لا يدعون للجهاد في فلسطين في خطبهم!! حينها لم أكن أعرف أن أمر الصهاينة لا يعنيهم ولا يحرك فيهم ساكناً وأن كل ما يهمهم هو تكفير المسلمين وإباحة دمائهم..
كانت اللحى شيء مقدس، كنا نرى إطالة اللحى من القداسة ولكني أراها اليوم إلا ما رحم ربي من النجاسة..
عندما كنت صغيرة كنت أعشق كلمة تكبير لكنهم أحالوها إلى تكفير وتفجير..
حينها كنت أعرف أن السعودية ودول الخليج لا تفعل شيئاً لتخدم قضايا المسلمين رغم كل ما تملك من ثروة نفطية هائلة، لكن لم أكن أعرف أنها ستبذل كل ما تقدر عليه من ثروات ومؤامرات لتقضي على بلدان المسلمين كما فعلوا في سوريا وليبيا والعراق وآخرها ما لم يخطر ببال في اليمن…
كنت أعتقد أن مشايخ السعودية هم أصحاب الفكر النير ولم أكن أعرف أنهم أصحاب الفكر الوهابي المُدمِّر..
عندما كنت طفلة كنت أشاهد مع والدي قناة الجزيرة الإخبارية.. حينها لم نكن نعرف بعد أنها أكبر قناة عميلة صهيوأمريكية..
لم نكن لنتخيل أن دولة عربية ومسلمة تطلق رصاصة في أرض عربية ومسلمة و تقتل أو تُدمِّر.. لكننا نراهم اليوم أحالوا السماء إلى سواد من أسلحة محرمة والأرض إلى أنهار من دماء..
ليتني لم أكبر يا حزب الإصلاح وِأعرف أن من يفتح مراكز تحفيظ القرآن والمراكز الخيرية هم شياطين بشرية..
كنت أرى دموع أمي على ما يحصل لأخوتنا في فلسطين وأنام كل يوم وأنا أحلم أن أستيقظ على تحرير الأقصى.. لم أكن أتخيل أن الدمار وسفك الدماء سيطال أغلب الدول العربية بهذا الشكل المريع عدا العميلة التي هي مستعدة أن تقمع شعوبها بكل ما أمكن إذا ما بحثوا عن العزة والحرية كما في البحرين…
كان وضع العرب يثير الشفقة أما الآن وقد دُمرت دول وجرت أنهار الدماء على يد القتلة والعملاء فلا أعرف أي وصف يمكن أن نطلقه عليها.
لقد اختلفت الأشياء كلياً عدا شيء واحد.. هو اليمن ورجال اليمن مدرسة الرجولة و الإباء والعزة والكرامة التي يجب للعالم أن يتعلم منها، التي كانت منذ قدم التاريخ ولا زالت وستظل مهما طال الزمن فهي لم ولن تتغير غير أنها تزداد ألقاً و رونقاً وبهاءً كل ما طال بها الزمن أو تكالب عليها الأعداء والمحن.
بالروح والدم نفدي ترابك يا يمن..”
كتبت ما سبق في الأيام الأولى من العدوان على بلدي، كنا لا نزال في أثر الصدمة والفاجعة التي فاقت كل التوقعات؛ ومع مرور الوقت تجلّت الحقائق أكثر فأكثر واتضحت الرؤية، لأدرك جيداً أنه مهما كان مؤلماً أن تكتشف حقائق كانت مُغيبةً عنك أو كنت تخالها شيئاً آخراً، إلا أن ذلك أهون بألف مرة أن تعيش مغيباً عن الواقع وفي عالم اللا وعي والشعور كما الكثير من الناس، فتحكم على إنسانيتك ومشاعرك بالإعدام المؤبد، وأنه مهما كانت الحقائق من حولك مؤلمة حد الفجيعة إلا أنك امتلكت على الأقل شرف المحاولة في تغييرها، كلٌ بما يستطيع، ولا يكون أي عمل هينًا مهما كان صغيراً في ذلك، عندما تلتقي الجهود وطالما و”الله” هو من يباركها.
لقد أصبحنا في زمن كما قال الحسين بن البدر سلام الله عليه يتغربل فيه الناس إلى صنفين مؤمن صريح ومنافق صريح، فلم يعد هناك متسع من الوقت ولا أي مجال ليكون هناك من يطلق على نفسه ألقاباً كـ”محايد” أو “متنصل” عن الحق والمسؤولية إن صح التعبير من وجهة نظري.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ لكم أن تتخيلوا أننا في هذه الأيام وعلى مرأى ومسمع من جميع المسلمين، نجد أن أئمة النفاق قد أصابوا ركناً من أركان الإسلام ودعائمه في مقتل، فها هو بيت الله خاوٍ في أيام الحج، وإلى جواره وليس ببعيدٍ منه تزدحم الملاهي والمراقص بأهل المجون والفجور، بعد أن عطل القردة من آل سعود شعائر الله في أيامه الحُرم تقرباً واسترضاءً لإخوانهم من اليهود.!
ورغم السوداوية في كل ذلك إلا أنني أحمد الله أنني كبرت لأرى أهل الحق أصبحوا أكثر استبصاراً ودرايةً من أي وقتٍ مضى بالمشكلات من حولهم وما يحاك ضدهم وضد دينهم وأمتهم، فها هو محور المقاومة يشتد عوده ويصبح أكثر صلابةً مما كان عليه آنفاً، فكما أن الباطل لجلج فإن الحق أبلج، وقد كشر الباطل عن أنيابه ليتكاتف أهل الحق في اقتلاعها.
الحمدلله أنني كبرت لأرى أن أهل الباطل اعتقدوا أنهم قد تمكنوا لدرجة تُعفيهم عن الاستمرار في التستر خلف بعض العناوين الخادعة والزائفة في آنٍ واحد، ليكشفوا عن وجوههم الحقيقية جهاراً نهاراً، فلا تبقَى لأحدٍ حجة عن العماية عن الحق أمام الله ولا خلقه، وها نحن نجد من مواقفهم قبل كلامهم أن رؤيتهم واحدة وتوجههم واحد في العِداء والحرب على الإسلام بقيمه وعلى المسلمين الصادقي الولاء والانتماء لدينهم ومبادئه وحرماته ومقدساته وعلى رأسها القدس والحرمين الشريفين، الذي اتضحت لعبتهم القذرة مؤخراً في الاستهداف المباشر له، ولم يعد يخفى ذلك على كل ذي لب، وليعلن المنافقون عن ولائهم الحقيقي وتوليهم لأهل الكفر من يهودٍ وأمريكان وغيرهم، وأنهم يشكلون معهم حزباً واحداً هو حزب الشيطان ضد كل ما هو مقدس وإسلاميٌ حقّ، لا ما تروج له الوهابية مؤخراً من الانحلال والانحطاط والتفسخ من كل القيم الإنسانية والقرآنية السامية حتى يصير مجتمعاً بهائمياً بامتياز تحكمه الغرائز والغوغائية ويُحل فيه الحرام وتُشاع فيه الفواحش والمنكرات وتضيع فيه الحدود والحرمات والعياذ بالله فيصبح مجتمعاً شاذاً يسهل سحقه وضربه المرة تلو المرة دون أن يحرك ساكناً بل على العكس يتلقى الصفعات بكل سرور وهو في حالة من التيه وضياع العقل.!
ولكن ليس هذه المرة، فلينحرف المنحرفون كيفما يشاؤون فإن أهل الحق شوكةٌ في حلوقهم يصعب ابتلاعها أو اقتلاعها، فقد كبُرت بفضل الله لأرى جيشاً وعدةً وعتاداً في كل بلد من محور المقاومة قد اشتدّ بأسه ونكلَّ بأعداء الله وأعدائه أيما تنكيل رغم حجم التكالب والاستهداف الممنهج منذ قرنٍ من الزمن والمؤامرات الداخلية والخارجية، وقد انتصر بفضل الله وقوته وهو بمفرده، فكيف عندما يجتمع مع نظيره ليكوّن قوةً إيمانيةً ضاربةً قل نظيرها فأنّى من اعتز بالله يُقهر!
وكم قد رأينا من نماذج ذلك في وقتنا المعاصر ما تنذهل منه العقول وتنشرح له صدور المؤمنين فيزدادوا إيماناً إلى إيمانهم فرحين بنصر الله ومستبشرين، وكم رأينا من اعتزوا بأمريكا وبني صهيون قد أصابهم من الله خزيٌ وعذابٌ بأيدي المؤمنين أكبر.
الحمدلله أنني أعيش هذه اللحظات التي ينبذ فيها أصحاب الحق الضعف والضعة والتقهقر والهوان إلى غير رجعة بإذن الله وأن الجهود تتجه نحو وحدة هذا المحور ليكون ذلك بحجم التكالب والتآمر في الطرف الآخر وهذا ما ندعو إليه ونحث عليه، وأننا سنعمل بكل جهودنا سائلين من الله العون مع كل الشرفاء والصادقين من أبناء المحور الأحرار في مختلف المجالات والاتجاهات طالما والتوجه واحد في مواجهة كل طواغيت الأرض وأرباب الكفر والنفاق حتى تُحرر الحرمات وتعود جميع المقدسات،
وفي مقدمة ذلك ضرورة محاربة والتصدي لكل أشكال التدجين لأبناء الأمتين العربية والإسلامية الذي استمر طوال السنين الماضية، واثقين بالله أن هؤلاء العظماء الذين يعون جيداً حقيقة المرحلة، وأن الحياة إنما هي حياة الكلمة والموقف في وجه الباطل والطاغوت وإلا فلا خير فيها، وأنَّ هذا الحلف سيكبر ويتسع ليقتلع الظلام ويعيد السكينة والنور إلى قلوب البشرية جمعاء لأنه بعين الله الذي سيتوجّه بنصرٍ منه أكبر، والعاقبة للمتقين.