عطوان : كيف اسقط الهجوم الإيراني على ناقلة إسرائيلية في بحر عُمان مقولة “الرد في الزمان والمكان المناسب”؟ وماذا يعني تسريب اعلامي يربط بين هذا الهجوم وعدوان إسرائيلي على مطار “الضبعة” السوري؟ وهل ستنجح البوارج الامريكية في حماية السفن الإسرائيلية؟
إب نيوز 1 أغسطس 2021
عبد الباري عطوان
اذا صحت الاتهامات التي وجهها نفتالي بينت رئيس الوزراء الإسرائيلي الى ايران وتقول انها هي التي نفذت الهجوم بطائرات مسيرة على ناقلة إسرائيلية في بحر العرب قبالة السواحل العُمانية، فان هذا يعني ان ايران فرضت معادلة ردع جديدة، تقول مفرداتها “تضربوننا في سورية.. نضربكم، وسفنكم في البحار المفتوحة وقد اعذر من انذر”.
مصادر لبنانية مقربة من الحرس الثوري اكدت لـ”راي اليوم” ان ما دفع ايران للرد، وبسرعة، على هذا القصف للمطار المذكور، خروج إسرائيل عن المألوف، من حيث ضربها لمهاجع الجنود، وليس مخازن الأسلحة، او مدارج الطائرات مثلما جرت العادة.
***
هذا الإعلان “غير المسبوق” للرد الانتقامي الإيراني، وحسب المصادر نفسها، يؤشر على استراتيجية إيرانية جديدة تقوم على أرضية اتخاذها زمام المبادرة والرد السريع، فالهجوم على الناقلة الاسرائيلية كان على دفعتين، الأولى قصف الناقلة بصواريخ تحملها طائرة مسيرة عادية، وعندما كانت الخسائر طفيفة، جرى ارسال مسيرة انتحارية اكبر ضربت مهاجع طاقم السفينة، بهدف احداث خسائر بشرية، وهذا ما حدث فعلا عندما قُتل اثنان من الطاقم احدهما بريطاني والثاني روماني سيدخلان التاريخ بأنهما اول قتيلين في “حرب السفن” المتأججة.
إسرائيل ستكون خاسرة في الحاليين، خسارة اذا ابتعلت هذه الإهانة ولم ترد، وفي هذه الحالة تكون استسلمت للهزيمة في هذه المعركة، وخاسرة أيضا اذا ردت، لانها تكون بهذا الرد، قد وقعت في المصيدة الإيرانية، وفتحت على نفسها أبواب “نار جهنم” لان الردود الإيرانية جاهزة فعلا، ومرحلة الرد في الزمان والمكان المناسب انتهت.
الاسطول التجاري الإسرائيلي ضخم جدا بالمقارنة مع نظيره الإيراني المتواضع، فأكثر من 90 بالمئة من واردات إسرائيل يمر عبر الخطوط الملاحية البحرية وخاصة في بحر العرب والمحيط الهندي، والبحر الأحمر وهذه كلها تقع في مرمى الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وعلى عكس ايران التي لا تصّدر الا كميات محدودة من النفط، ولا تستورد الا القليل بسبب اعتمادها الذاتي وتصنيع معظم احتياجاتها أولا، والحصار الأمريكي الأوروبي المفروض عليها ثانيا، ولهذا فإن جميع السفن الإسرائيلية ستشكل بنك اهداف دسما ومغريا للمسيّرات والصواريخ الإيرانية حسب تقديرات احد الخبراء في الملاحة البحرية في منطقة الشرق الأوسط اتصلت به “راي اليوم”.
هذا الهجوم على الناقلة “ميرسر ستريت” المملوكة لشركة الملياردير الإسرائيلي ايال عوفر، يكشف لأول مرة ان الحرس الثوري الإيراني الذي قصف قاعدة عين الأسد غرب العراق انتقاما لمقتل الحاجين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بات يأخذ زمام المبادرة بنفسه، وينقل المعركة الى البحار المفتوحة، وربما الى العمق الإسرائيلي أيضا، ولم يعد يعتمد على اذرعه العسكرية الحليفة مثل انصار الله في اليمن، و”حزب الله” في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة.
رسالة قوية واضحة المعالم بعثها هذا الحرس الى إسرائيل اثناء حرب غزة الأخيرة تمثلت في ارسال مسيّرة مداها 2000 كيلومتر، مرت في أجواء القطاع، وجرى تصويرها، ويقول مضمونها ان ايران، بإمتلاكها هذه الطائرات المتطورة جدا، قادرة على ضرب اهداف في مينائي حيفا واسدود على ساحل المتوسط.
تولي الفرقاطات الحربية الامريكية مهمة الحماية للناقلات والسفن التجارية الإسرائيلية في بحر العرب والمحيط الهندي ستكون عملية مكلفة جدا، ماليا وعسكريا، للطرفين الأمريكي والإسرائيلي معا، لان هذه الحماية قد تكون محدودة الفاعلية، وعلينا ان نتذكر انها ستضاعف اثمان بوليصات التأمين لكل السفن الإسرائيلية في العالم بأسره.
***
حرب السفن تزداد سخونة وباتت اكثر خطورة، وتصعّد حدة التوتر في منطقة بحر العرب وباب المندب والخليج، ولعل اعتراف سلطنة عُمان للمرة الأولى بإشتعال فتيلها، والاعلان عن ارسالها سفينة الى مكان الهجوم، والتأكيد انه وقع خارج مياهها الإقليمية، احد المؤشرات الأولية التي يمكن رصدها في هذا المضمار، ولا بد ان هناك معطيات كثيرة ما زالت طي الكتمان.
ما نريد الوصول اليه في ختام هذه المقالة ان إسرائيل تلقت صفعتين قويتين ردا على عدوانها المتكرر على اهداف إيرانية وسورية وثالثة تابعة لحزب الله، الأولى عندما زودت روسيا الجيش العربي السوري منظومات صاروخية قادرة على اسقاط جميع الصواريخ الإسرائيلية المعتدية، وتبين هذا بوضوح في الغارة الأخيرة في ريف حمص، والثانية الهجوم الإيراني على سفينتها قبالة السواحل العُمانية الذي اكد ان غاراتها على العمق السوري لن تمر دون رد مؤلم جدا، سواء في العمق الإسرائيلي او البحار المفتوحة، ولهذا فالقادم اعظم.. والأيام بيننا