حقيقة الولاية
إب نيوز ٣ أغسطس
د. فاطمة بخيت
جعل في الأرض خليفة، سخر له هذا الكون، وسهل سبل العيش الكريم له، وعلمه ما لم يعلم، لم يدع كل ما من شأنه أن يرتقي بحياته على هذه الأرض، فكيف لهذا الإله الحكيم الرحيم الذي سخر كل ذلك أن يغفل أهم جانب يكفل للإنسان الاستقامة في هذه الحياة؟!
كلا، لم يكن ليغفل ذلك الجانب المهم ويترك الإنسان دون أن يهديه الطريق القويم والصراط المستقيم لينجو من الشقاء في الدنيا والآخرة؛ لذلك أرسل الرسل الذين اصطفاهم من خيرة خلقه وزكاهم وطهرهم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وأنزل معهم الكتب السماوية منهج الله الذي رسم فيه طريق الاستقامة فكان أنبياء الله ورسله هم الطريق إلى الله، فبهم ومن خلالهم يصل الناس إليه، فهم الهداة للبشرية، يخرجونهم من الظلمات إلى النور، فكانوا هم أول الناس عملاً بذلك المنهج الرباني، ليتجسد في كل أقوالهم وأفعالهم وتحركاتهم للمضي إلى بر الأمان، ويكونوا امتداداً لولاية الله على أرضه.
امتداد طويل من أنبياء الله ورسله وورثة كتابه منذ خلق أبينا آدم عليه السلام وحتى بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تجلت فيهم الولاية الإلهية في أروع صورها، اصطفاهم الله على كافة خلقه، وبهم ختم المولى عز وجل دين الإسلام.
وما كان الله ليترك الناس دون أن يصطفي لهم من يلي أمر الأمة بعد خاتم الأنبياء والرسل حتى لا تضل ولا تشقى، سنة الله في الهداية، فما كان منه جل وعلا إﻻ أن أنزل في حجة الوداع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) بلاغ في غاية الأهمية، وأمر جلل في غاية الخطورة، إن لم يبلغه الرسول فما بلغ رسالة الله التي قامت على التضحيات الجسيمة والجهاد المتواصل طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، فما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن جمع أكثر من مائة ألف حاج ليوصل بلاغ الله إليهم ليصل هذا البلاغ إلى مختلف البلدان، ويعلن أنّ ولاية الله لا زالت قائمة في من اصطفاهم واختارهم لها. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيّها الناس إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، ورفع يد الإمام علي عليه السلام وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).
ولاية الله ورسوله وأعلام دينه سلسلة مترابطة تمثل الطريق إلى الله، وتتجلى مدى العلاقة بينها في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). وكان هذا الحديث في ذات اليوم الذي أعلن فيه ولاية الإمام علي عليه السلام، ليثبت مدى العلاقة بين الكتاب والعترة، وأنّ كليهما ملازم للآخر، بل كلاً لا يتجزأ ولا ينفصل عن الآخر، فلابد للأمة من قرناء للقرآن يجسدون القرآن وتقتدي بهم الأمة؛ فمن هذا المنطلق كانت أهمية إبلاغ ذلك البلاغ للناس، الذي نزل بعده قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
كدلالة واضحة أنّ إكمال الدين وإتمام النعمة بالقرآن وقرناء القرآن (المنهج والقيادة)، كامتداد لولاية الله على أرضه، سنة إلهية ثابتة لا يمكن أن تتحول أو تتبدل، فكما وضع المنهج، اصطفى القيادة التي تقود الأمة بذلك المنهج إلى ولاية الله وصراطه المستقيم.
(علي مع القرآن والقرآن مع علي) كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. فما الذي حدث عندما تنكرت الأمة لهذه السنة الإلهية في الهداية وأقصت الإمام علي سوى الانحراف والضلال منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحتى عصرنا الحاضر، ما الذي حدث عندما رُفع شعار (حسبنا كتاب الله) سوى التيه والضلال.
أصبحت الأمة لا تكاد تهتدي إلى حل أو مخرج مما تعانيه؛ لأنّها مفارقة لولاية الله، ونظرت إلى ذلك الحدث والأمر الجلل وكأنّه حدث عابر، ونظرت لكل تلك الأحاديث وكأنها قصص تُروى فحسب، على الرغم من وضوح الآيات والأحاديث، إلا إنّها ظهرت التحليلات الخاطئة والتأويلات المضللة التي زادت الانحراف في حياة الأمة حتى انتهى بها المطاف أن تتولى أعداء الله وأعداء الدين من اليهود والنصارى ومن تحالف معهم، حتى خذلت في الكثير من المواقف، وأصبحت تعاني من الصراعات والانحرافات.
وقد شاهد هذا الشعب ثمرة هذا التولي وهو يواجه أعتى عدوان في التاريخ المعاصر ضد أعداء الله ومن أرادوا له تولي أعدائه، فكانت النتيجة عزة وكرامة ونصر وتمكين (وانصر من نصره). كذلك في المقابل أين من حاربوا هذا الشعب وأعرضوا عن ولاية الله وأوليائه سوى الهزائم تلو الهزائم وذل وخزي وخسران (واخذل من خذله).
وسيظل هذا اليوم حدثاً عظيماً ومنعطفاً خطيراً ونقطة فارقة في حياة الأمة، وستظل الأمة تغرق في ذلك المستنقع أكثر فأكثر ما لم تتدارك نفسها بالعودة لولاية الله وولاية من اصطفاهم واختارهم من أوليائه وأعلام دينه لقيادتها إلى طريق النجاة.