الهجرة خيار بناء الأمة الإسلامية
إب نيوز ١٠ أغسطس
د.تقية فضائل
بعد ثلاث عشرة سنة من الجهاد الخالص لله الدؤوب الذي لم ينقطع ولم يتوان فيه رسول الله عن نشر الإسلام ومبادئه بشتى الوسائل والسبل ، بدا جليا أنه لم يعد هناك مجال في مكة لنشر الحق فقد زاد استكبار معظم أهلها وعتوهم ونفورهم وأصبح الظالمون بعضهم لبعض ظهيرا، وعلت نبرة التكذيب وتزييف الحقائق والتحدي والبغضاء والعنف بشتى أنواعه، ولم يستجب للحق إﻻ القليل وقد نبأ الله نبيه بذلك في قوله” لقد حق القول على أكثرهم فهم ﻻيؤمنون” ويفسر صدهم ونفورهم من
الحق -جل وعلا- بقوله ” إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ،، وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم ﻻ يبصرون” لقد خذلهم الله فلم يؤمنوا ولم يهتدوا بسبب الأغلال التي كبلتهم ومنعتهم من رؤية الحق والسبيل إليه وهذه الأغلال هي أغلال وعقد نفسية تتمثل في تعاليهم وتكبرهم عن عبادة ربهم الواحد الأحد وتكذيبهم لرسوله وارتكابهم ما حرم الله ونهاهم عنه من المنكرات التي كانوا يرتكبونها واستضعافهم لمن آمن بالله ورسوله وصدهم الناس عن الإيمان وارتكابهم جرائم التعذيب والقتل لكل من آمن ، فهذه الأعمال المروعة و القبيحة أضحت أغلالا وضعت في أعناقهم وكبلت بها أيديهم عن كل خير فأصبحوا مقمحين أي رافعي رؤوسهم عاليا كالبعيرالمقمح غير قادرين على رؤية الطريق الذي يمشون عليها بل أصبحوا يسيرون سيرة المتخبط في مشيه وقد حجبت عنه الرؤية ، ويتأكد سلبهم الله التوفيق والسداد و فقدانهم بصيرة رؤية الحق وكأنه ضرب بينهم وبين الحق بسدود منيعة من جميع الجهات فهم ﻻ يبصرون الحق وﻻ يسمعونه وﻻ يصلون إليه فقد أكد الله هذا بقوله” وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﻻ يؤمنون ”
مع هذا الواقع وهذه النفسيات المظلمة بالكفر والتعالي على الحق يعاني الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيؤلمه ظلمهم لأنفسهم وتكبرهم على خالقهم وأوامر ه فيقول له -عز من قائل- ليخفف عنه شعور الأسى والحسرة عليهم ”فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا”
ويجد-صلوات ربي وسلامه عليه – المؤمنين يحيون حياة القهر والقمع والتعذيب فيحزن لحزنهم ويتوجع لأوجاعهم فيواسيهم ويحثهم على الصبر والثبات ويعدهم نصرا من الله وأجرا عظيما .
وتأتي وفود العرب إلى مكة فيستقبلها كفار قريش ويحذرونها من اتباع الرسول ويصفونه بأسوأ الأوصاف وأقبحها- وهم يعلمون أنه خير الخلق كلهم – ويصدونها عن الاستماع إليه .. وهو مستمر في جهاده وأداء واجبه رغم عظم البلاء وتكاثر الأعداء.
ويعلم الله ما يدبره الكفار من قتل لرسوله فيأذن له بالهجرة وترك أولئك القوم الذين قست قلوبهم ولم ينفذ إليها نور الحق ولم ينالوا شرف حمل لواء الدين العظيم للبشرية ، بل كانوا عائقا أمامه ، فانطلق رسول الله مهاجرا لينذر ” من خشي الرحمن بالغيب ” ويبشره ” بأجر عظيم” .
وبدأت مرحلة جديدة من حياة الأمة في أحضان مجتمع جديد مجتمع مختلف جد الاختلاف عن سابقه، مجتمع يحمل قيم الخير والإنسانية والشجاعة لأن يكونوا انصارا لله ورسوله ويقفوا في وجه الطاغوت دفاعا عن الحق، أحبوا الله ورسوله وأحبهم الله و رسوله ، فكان للنور الإلهي مجال لينفذ إلى قلوبهم وتستجيب فطرتهم السليمة إلى الحق والخير وكانت نواة المجتمع الإسلامي نواة سليمة قوية زادها المهاجرون تميزا وتألقاو تأريخ الأمة يشهد بأن هذه النواة هي صفوة البشر وهم السابقون لنصرة دين الله، وقد حرص – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على تربية هذه النواة تربية إيمانية صحيحة لتنشأ الأمة الإسلامية على أساس سليم وتقوم بدورها الرئيس في الحياة وهو حمل هدى الله إلى البشرية جمعاء.
.
.