عطوان : ما مدى صحة الرواية البريطانية الجديدة التي تؤكد ان المسيّرات التي قصفت الناقلة الإسرائيلية في بحر عُمان انطلقت من اليمن؟ وهل هذا مؤشر على انخراط حركة “انصار الله” وحلفائها في الحرب ضد تل ابيب؟
إب نيوز ١٠ أغسطس
عبدالباري عطوان :
ما مدى صحة الرواية البريطانية الجديدة التي تؤكد ان المسيّرات التي قصفت الناقلة الإسرائيلية في بحر عُمان انطلقت من اليمن؟ وهل هذا مؤشر على انخراط حركة “انصار الله” وحلفائها في الحرب ضد تل ابيب؟ وما الذي يستطيع فعله الثالوث الأمريكي البريطاني الإسرائيلي ردا على هذا القصف؟
السلطات البريطانية خبيرة في التسريبات الصحافية، وتتفوق على نظيراتها في هذا المجال، ولهذا السبب حرصت صحفها على تعيين صحافيين مخصصين لهذه المهمة، تحت اسم “محرر دبلوماسي” مهمته ان يكون حلقة اتصال بين السلطات وادارة تحرير صحيفته، ومعظم الاخبار والتقارير الإخبارية التي ينشرها غاليا ما تكون صحيحة، وايصال رسائل للجهات المعنية.
نسوق هذه المقدمة بمناسبة ما نشرته صحيفة “ديلي اكسبرس” اليومية المحافظة، نقلا عن مصادر قالت انها مطلعة من ان مجموعة من القوات الخاصة البريطانية مكونة من 40 عسكريا، من بينهم متخصصون في الاستخبارات الالكترونية جرى نقلهم جوا الى مطار “الغيضة” في شرق اليمن، في مهمة محددة بإلقاء القبض على افراد مجموعة اطلقت الطائرة المسيرة التي قصفت الناقلة الإسرائيلية “ميرسر ستريت” في بحر عُمان، وربما التخطيط لاحقا لانزال قوات بريطانية لتنفيذ عمليات خاصة داخل ايران.
***
الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الأمريكي تراجع فيما يبدو عن اتهام ايران بإرسال المسيرات لضرب الناقلة الاسرائيلية المذكورة، وبالتالي تهديداته بتوجيه ضربات انتقامية ضدها وبما يؤكد النفي الرسمي الإيراني، وتوصله، أي الثلاثي، الى قناعة بأن هذه المسيرات انطلقت من اليمن، ومن مناطق واقعة تحت سيطرة حركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها، وليس من الأراضي الإيرانية.
استهداف ناقلة إسرائيلية في بحر عُمان يعني ان جميع الناقلات الاسرائيلية الاخرى ستكون اهدافا في المستقبل للمسيّرات اليمنية، الامر الذي يعني واقعيا احداث حالة من الشلل في الاقتصاد الإسرائيلي، او قطاع عريض منه، اذا وضعنا في اعتبارنا ان 90 بالمئة من الصادرات والواردات الاسرائيلية تُنقل بالسفن عبر الخطوط الملاحية البحرية في البحار المفتوحة، البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي تحديدا، اخذا في الاعتبار ان نسبة كبيرة من الصادرات الإسرائيلية تذهب الى شرق آسيا، والحال نفسه الى أسواق دول “سلام ابراهام” الخليجية الواعدة.
حركة “انصار الله” في اليمن، ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي” المتميز تسيطر على باب المندب، وبحر العرب، وخليج العقبة، وقناة السويس، وتملك طائرات مسيّرة حصلت عليها من الحليف الايراني متطورة جدا، ويبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر، علاوة على منظومات صواريخ دقيقة جدا، واذا وظفت هذه القدرات الهجومية لقصف سفن وناقلات وبنى تحتية إسرائيلية (ميناء ايلات مثلا) فان هذا يعني فتح جبهة ثالثة جنبا الى جنب مع جبهات غزة وجنوب لبنان، وبأس “أبو يمن” الذي لم يهزم في تاريخه.
نشرح هذا التطور الذي ربما غاب عن اذهان الكثيرين بالقول ان اكثر من مليوني يمني شاركوا في مظاهرة صنعاء تضامنا مع الشعب الفلسطيني اثناء حرب غزة الأخيرة، ويُعتبر المواطن اليمني، بكل اتجاهاته السياسية، ان قضية فلسطين هي قضيته، ولن يتردد لحظة في الانخراط في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي اذا اتيحت له الفرصة.
ماذا يستطيع المثلث المذكور ان يفعله اذا ما تأكد ان الطائرات المسيرة التي ضربت الناقلة الاسرائيلية انطلقت من اليمن؟ ان يحاصر اليمنيين ويجوعهم؟ ان يقصفهم بطائرات “اف 16″، و”اف 15” مثلا؟ الطائرات السعودية والاماراتية، ومن هذين النوعين، تقصف اليمن منذ سبعة أعوام تقريبا، ولم تحقق أهدافها، ولا الحصار التجويعي المرافق لها في اجبار هذا الشعب الجبار على رفع رايات الاستسلام البيضاء، والاهم من ذلك ان موازين القوى في هذه الحرب باتت لصالحه، واستطاع ان ينقل الحرب الى العمق السعودي، ويرسل صواريخه الى كل المنشآت النفطية السعودية في الجنوب والوسط والشمال.
***
امريكا انهزمت في افغانستان وقررت سحب جميع قواتها قبل نهاية هذا الشهر، وستتحول كابول الى حاضنة للنفوذين الصيني والروسي، وستكرر سيناريو الانسحاب نفسه، مكرهة ومهزومة، في العراق وسورية قريبا، انها نظرية احجار الدومينو التي تتساقط الواحدة تلو الأخرى وبسرعة.
انطلاق الطائرات المسيّرة التي قصفت الناقلة الإسرائيلية في بحر عُمان، وتزامنها بالقصف الصاروخي لأهداف إسرائيلية في مستوطنة كريات شمونا (الخالصة) انطلاقا من جنوب لبنان، ونجاح الصواريخ السورية في اسقاط جميع الصواريخ الاسرائيلية الأربعة القادمة من طائرات إسرائيلية في الأجواء اللبنانية وقصفت ريف حمص، كلها مؤشرات على بدء مرحلة جديدة تبشر بالقلق والرعب للمستوطنين الإسرائيليين، وبمستقبل قاتم لهم.. والأيام بيننا