الهجرة النبوية دروس وعِبر
إب نيوز ١٣ أغسطس
البتول جبران
حينما يكون دافع التحرُك إيمانيا من أجلِ إعلاء كلمة الله وحدهُ لاسِواه، عندها يكون الدين أغلى من الوطن، هذا ماجسدهُ لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما ترك مكة مُهاجراً منها بعد أن دعا قومه ثلاثة عشر عاما ولم يستجيبوا له، بل كذبوه، وعِملوا على إيذائِهِ، ومحاربتهِ بشتَّى الوسائل، عَمِلَ جاهداً ليستجيبوا، ويؤمنوا بالله ولكن لاجدوى، فقرر الانتقال من بلدهِ، ومكان معيشتهِ مِنذُ الصِغر، إلى مكانٍ آخر لنشر دين الله الذي هو بالنسبةِ له أحب الأعمال إلى قلبهِ .
نستلهم من هجرةِ رسول الله الكثير من الدروس والعبر منها: أنًّ الأنبياء برغم ماوصلوا إليه من كمالٍ إيماني عانوا، وواجهوا المتاعب والمصاعب، وصبروا على كل ذلك، هكذا هي سنة الحياة، وبعد الصبر تكون البُشرى قال تعالى {وبشر الصابرين}، فبعد معانة رسول الله وصبرهِ على أذى قومهِ له، ومفارقته لبلده، جآءت البُشرى بميلادِ الأُمة، وتأسس كيانها وجاء وعد الله بالنصرِ والفتح الكبير .
نأخذ العبرة من تركِ رسول الله مسقط رأسهِ مكة مُهاجراً منها بعيداً عن التحسُرِ، وألم الفُراق، وأن نجعل لدين الله الأولويه في كل شيء في حياتنا، حتى و إن تطلب منَّا ذلك بذل أرواحنا، أو مُفارقة أوطاننا، فذلك شرف عظيم ولهُ مكانه أعظم عند الله قال تعالى { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْـمُؤْمِنُونَ حَقًّا لهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }..
نتعلم من موقف القبيلتين اليمنيتين الأوس والخزرج (الأنصار) حينما استقبلتا رسول الله والمهاجرين، كيف تكون نفسية الإنسان المؤمن المناصر لدين الله، روحية تحمل الحب و الإيثار، والبذل، والعطاء، لا روحية الأخذ، وحب الذات، والأنانية، وهذا ماتم تجسيدهُ في قول الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
نُرسِخّ في أنفُسنا حينما نواجه المصاعب، أو نتلقى الأذى من البعضِ ونحن نمضي لإعلاءِ كلمة الله أنَّ ذلك ليس مُبرراً لابتعادِنا عن هدفنا، وهجره و وتركنا لأماكِننَّا، بل يجب أن نعمل جاهدين لنشرِ دين الله وإن لم ينفع ذلك بعد المواعظ، و إلقاءِ الحُجة، أن نبحث عن مكانٍ آخر لنشرِ دين الله، ومهما عملوا على تثبيطنا، وقتلنا، وتشريدنا نتذكر قول الله تعالى لرسوله {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
نستفيد من هجرةِ رسول الله الكثير من الدروس والعبر ولكن لايسعني الحديث عنها، ولكن من المهمِ أن ننتبه لما يسعى له أعداؤنا من طمسٍ لمبادئنا و هويتنا الإيمانية، ومحاربة وتهميش مناسبة ذكرى الهجرة النبوية، لأنهم يدركون جيداً أن لهذه المناسبة العظيمة دلالتها، أنها محطة تعبوية ومعرفية و تربوية نستفيد منها في جميعِ جوانب حياتنا سواءٌ العسكرية أوالثقافية الخ ….