لا تبكي على الحسين
إب نيوز ١٥ أغسطس
بتول الحوثي
يومٌ جاء صوت بعيد خافت ينادي بالموت والثبور ويلطم نفسه ويشوه وجهه، حزنه يصدّع الجبال ودمعه يدمي القلوب، يكاد يميز من غيضه على قتلة إمامه وينادي نائحا: *ياحُسيناه*
فوثب الحسين قائلا: من هذا المنادي؟ ولما هو شديد الحزن هكذا؟!
فأجاب: جُعلت فداك يا إمامي أنا مُحبك وتابعك وسائرٌ على نهجك،والله يا مولاي لوددت أن ابكي دماً بدل الدموع حرقةً عليك وعلى أهل بيتك.
فقال الحسين: عجباً! أولستُ أبا عبدالله سبط النبي الذي يدافع عن دين جده ويسعى إلى اصلاحه، وأمي فاطمة بنت محمد سقتني من علمها وإيمانها مايدفع إلى التضحية والفداء،
ووالِدي علي بن أبي طالب، وصي رسول الله، وولي كل مؤمن ومؤمنة وهو الأخر لم يدع أكرومةً إلا وورثني إياها، أو نسيتم أنه بشرني الذي لا ينطق عن الهوى قائلا: الحسن والحسين سيديّ شباب أهل الجنة، وأني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت للإصلاح في أمةِ جدي فما الذي يدفعكم إلى كل هذا الكرب؟!
الرجل: يا مولاي نحن نعلم مكانتك في دين الله، ومنزلتك من رسوله فهو القائل:((حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حُسينا))، فلتعلم أن هذا هو ما يزيد من ألمنا ويكدر صفو عيشنا أنهُ كيف تفقد الأمة رجلا كالحسين ومن أجل منْ؟ وما هو الثمن؟
الإمام الحسين: ألم يصلكم نداء اُختي زينب، ألم تتعلموا قليلا من دينها وبصيرتها؟!
وهي تلك المرأة التي رأت بأم عينيها أهلها وذويها صرعى في الطفوف، تحمل الهول على أكتافها، وتلفظت بلسانِ المؤمن الصادق:((اللهم تقبل منا هذا القربان، ياربِ إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، فنحن أهل بيت النبوة ما نقدمه وما نبذله من أجل الله وفي سبيل الله ونفوسنا نفيسة وليس لها ثمنٌ إلا الجنة)).
الرجل:إنك يا مولاي أعظم قربان تقربت به أمة محمد إلى بارئها عندما رأيت الحق لا ُيعمل به والباطل لا يتناها عنه، قدمت روحك ومالك وولدك ورغبت في لقاء الله محقا، ولكن ما يؤسفنا ويحزننا هو مصابك العظيم وخطبك الجلل خُدعت من أهل العراق، ثم حُوربت باطلا وقلّ ناصروك، وتكالبت عليك العداء، وفرح الشامتون، قتلوا اقاربك واحد تلو الأخر، أدموك جِراحا بعد أن افجعوك في طفلك وكسروا ظهرك بأخيك العباس، ولم يكتفوا بحز رأسك بل تركوا جسدك عُرضةً لأرجل الخيول، وبقيت في صحراء نينوى عاري الجسد ممزق الأحشاء فلا شمر كفّن ولا عمرو دفن، فالعيون عبرى والقلوب حرى.
الحسين: هون عليا ما نزل بي أنه بعين الله، وليكن في عِلمك يا عزيزي أن جُرحي الأدمى، وكربي الأبلى هو شرخ الأمة وإرتضاء بني أمية أئمة، علا على منبر جدي من يلعن وصيه، وعصت أمية الله باسمه واسم نبيه، وهم من اتخذوا دينه دغلا، وعباده خولا،وماله دولا، والأدهى والأمرّ أن اَسمع في جيلكم هذا بعد مرور أحقاب على هذه الحادثة أن الناس ما زالوا كما كانوا بالأمس، أصحاب الشمال أصبحوا وأمسوا حُكاما وأمراء، وأصحاب اليمين قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
الرجل: حاشا وكلا يا مولاي، قسما أن قلوبنا وسيوفنا وأولادنا وأموالنا تفديك فنحنُ نحبك لأن محبتك من محبة الله، وبنصرتك ينتصرُ ديننا.
الإمام الحسين: أي نصر هذا؟! وقد انقضت حياة زيد ولدي ومماته وهو في سبيل أن يعلمكم جملة”البصيرة البصيرة ثم الجهاد” وهأنتم ذا لم تأخذوا من حادثتي وفاجعة ابني سوى _ذكرى_ تذرفون بها الدموع وتشعلون بها الشموع، وتمر السنوات ودرس دمي لم يعلم، وعِبرة رأسي لم تفهم، وحكمة ثورتي تنسى، ودعائم مظلوميتي ترسى.
الرجل: لا يا نبض دمي وقلبي، لقد عزمنا على اتخاذ منهجك والسير بخطاك وهانحنُ في طريقنا؛ لتصحيح مسارنا وتقويم الإعوجاج، أنت مدرستنا التي نستقي منها عبق التضحية ونحن تلاميذك المطيعين، فمُرني يا إمامي، وزدني نورا من علمك، وأضفي على وعيي من بصيرتك، وسلمني بيان ثورتك لأقوم بقرأته على أنصارك واُعلمهم بلاغك.
الإمام الحسين: قلّي إن وُضعتم بين خيارين بين السلة والذلة فماذا ستختارون؟
الرجل: هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، ونفوس أبية وأنوف حمية تؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام.
الإمام الحسين: وماذا إن اِضطررت للمواجهة، وعزم الأشرار قتال الأخيار ولقيتم كما لقيت أنا في كربلاء؟
الرجل: سأمضي وما بالموت عار على الفتى، إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما، وواسى الرجال الصادقين بنفسه، وفارق مثبورا وجاهد مجرما، فإن عشت لن أندم وإن مت لم أَلُم، كفى بك موتا أن تذل وترغما.
الإمام الحسين: إذاً ؛ فلا تبكوا عليّ بل الحقوا بي إلى حيث لا فراق واعجلوا فإني إلى وصلكم تواق.
.