لنبقَ على قيد الحسين
إب نيوز ١٥ أغسطس
سارّة الهلاني
إن إيماننا برسول الله صلوات عليه وآله بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين يقتضي أن نلتفت إلى أشياء مهمة؛ ليكون سُلّم الوعي عندنا مُتنامٍ وفي إتجاه صحيح وعلى الصراط الذي رسمه الله لنا من خلال رُسله، وأهمها أن رسول الله لم يكن نبي عصره ورسول زمانه فقط بل للبشرية كافة ’رحمةٌ للعالمين‘ وبالتالي كانت نظرته للمستقبل ورؤاه أبعادها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والرحمة العالمية لها إمتدادها كمشروع إلهي من موقع “القيادة والمنهج” الذي جعلهما الله سنته في الهداية وسُبل النجاة ببرنامج عالمي يُقدم للبشرية التربية اللازمة التي تؤهلها؛ لتكون أهلاً للمسؤولية واستحقاق الفوز والفلاح في الدارين.
وعبر كتاب رسول الله أبان الله لنا سنته في الهداية وحجته الوافية في قوله ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْـمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ وماكان محمد _صلوات عليه وآله_ إلا”القيادة”التي اختارها الله وأنزل معه “المنهج” كتابه العظيم، والنبي الخاتم الحريص على مستقبل أمته ألا تعود للظلمات التي أخرجها منها إلى نور الله والإسلام فكان بإستمرارية الرحمة الإلهية والرعاية السماوية للبشرية بأن يصطفي من يرث قرآن الله من بعد نبيه؛ فأوصى المصطفى وصيته الخالدة “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليا الحوض”.
ولم يكن حديث الثقلين هو النص الوحيد الذي يدلنا على من يمثلون المرجع الأصيل للأمة الإسلامية والإمتداد الصحيح للولاية الإلهية الكاملة، بل إن النصوص النبوية بمصادرها الصحيحة ورواتها الثُقاة قد ملئت بطون كتب المذاهب بإختلافها، ونقلت الدروس التاريخية أهلية أئمة أهل البيت لخلافة الأئمة أباً عن جد، ومنها والكثير ماذُكر في سبط الرسول وريحانته وأبا الشهداء وسيد شباب جنة الخلد _ الإمام الحسين بن علي _ عليهم السلام، ولنقرأ الآيات الإلهيةو الأقوال المحمدية فيه وأولا أبا عبدالله في القرآن:
لم يترك القرآن الكريم ذكر الأولياء والصالحين الذي لهم قدم صدق وإيمان عندالله، فضلاً عن ذكر أبناء النبيين، وخلاصة المصطفين، فلابد أن يكون للإمام الحسين _عليه السلام_ مقامه في وحي الله وكتابه المبين، ومن ذلك:
أنه ابن رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم_ كما في آية المباهلة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران/ 61]، فقد ذَكَرَت الرواياتُ الصحيحة أن الإمام الحسين كان ممن أصطحبهم رسول الله معه يوم المباهلة، وهو أيضاً من جملة الذين أذهب الله عنهم الرجس حين قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب/ 33]، فقد روي عن أمّ سلمة وبطرق عديدة أنّها قالت: لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله_صلّ الله عليه وآله_ عليّاً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً))، وفيها إعلان سماوي عن طهارتهم وزكاء أنفسهم واستقامة منهجهم.
وهو من المبشرين بالجنة بقوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا }، وقصة إطعامهم للمسكين واليتيم والأسير، وإيثارهم لهم على أنفسهم مشهورة.
فإن كان الإمام الحسين عليه السلام أبا الشهداء، فلا شك أن ما من آية تتحدث عن الشهداء عموماً وفضلهم وعظيم تضحيتهم ورفعة مقامهم إلا وهو أميرها ومقصودها.
وأما بعض ماورد عن لسان جده طه _صلوات الله عليه وآله_ الذي كان ناطقاً بأنه أبا لها وهو الإبن والفرع، ومنها:
1- ((حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط)).[الأمالي الإثنينية ج1/ ص534، المعجم الكبير ج3/ ص57، مسند أحمد ج4/ ص172].
2- وقوله صلى الله عليه و آله وسلم في الحسنين: ((مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي)).[مسند أحمد، ج2/ ص288، المستدرك، ج3/ ص187، الإمام المنصور بالله، الشافي ج1/ ص110]
3- وفيه وفي أخيه الحسن عليهما السلام يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)).[الإمام المنصور بالله، الشافي، ج1/ ص339، مجموع السيد حميدان، ج1/ ص367]
4- وعن عبد الله بن عمران أن رسول الله صل الله عليه واله وسلم قال: ((إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا)).[المعجم الكبير، ج3/ ص209، الجامع الكبير للسيوطي، ج1/ ص6293، سنن الترمذي، ج5/ ص657]
5- وعن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: ((كلّ بني أنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم)).[الشافي للإمام المنصور، ج2/ ص8، مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي، ج1/ ص97، المعجم الكبير للطبراني، ج3/ ص73، الجامع الكبير للسيوطي، ج1/ ص15817]
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)).[الأمالي الإثنينية، ج1/ ص488، صحيفة الرضا، ج1/ ص158، مسند الإمام زيد، ج1/ ص462، المعجم الكبير، ج3/ ص61]
7- عن جابر بن عبدالله: ((مَن سرَّه أنْ ينظُرَ إلى رجُلٍ مِن أهلِ الجنَّةِ فلْينظُرْ إلى الحُسَيْنِ بنِ علِيٍّ فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يقولُه)). [ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج15/ ص421، برقم 6966 ـ الذهبي، ميزان الاعتدال، ج2/ص40].
ولا زال رسول الله_صلَ الله عليه وآله وسلم_على تلك الحال، يبين للأمة عظيم منزلة الحسين وأخيه عليهما السلام، ويكرر على مسامعها الإشادة بفضل رجل الجنة وتكريم ولي الله، ويربط حبه بحب وريث الأنبياء؛ لدوره العظيم في هداية الأمة من بعده، شددّ بأنه سبطه ويعني أنه الدرجة الثانية فبعد الأنبياء أوصيائهم وبعد الأوصياء الأسباط ، أفاد بأن الحسين منه وهو من الحسين؛ ليقول لنا أن الحسين نسخة مصغرة من رسول الله، يقف مقام رسول الله من بعده، لأنه ورث من جده الإيمان والموقف واصطفاه الله ولي لله وقائدا للمسؤولية، فكان موقف رسول الله موقفا جادا صريحا مع الأمة عن سبطه الحسين كمُلْهم للفضيلة، ودالٍّ على الخير، ونموذج فذٍّ في الحياة الكريمة.
وإنه لمن أبواب الخير، وأسباب الهداية أن نحلق في سماء حُفَّت بعبق الوحي، واتشحت بمعاني النبوة، وترعرعت في بحبوحة الطهر والكمال، وشهد بتطهيرها التنزيل، وأثنى عليها الملك الجليل.
وأما السبب الآخر للمصطفى في رسائله عن الحسين كانت رجاء منه أن تنهض هذه الأمة للذود عنه وعن أهل البيت عليهم السلام؛ لأنه كان قد تنبأ بتربص الطغاة له وفجور الباطل على أهل الحق؛ ولأنه يدرك أن استهداف المستكبرين لمثل الحسين هو استهداف لدين الله ومنهجه، استهداف لمشروع الله وركائزه، استهداف للإسلام ومعالمه الرئيسية والهامة ؛ لذا استمر النبي_ صلَ الله عليه وآله وسلم _على ذلك التذكير والإشادة وشد إنتباه قومه وأمته لشخص الحسين وأخيه حتى آخر لحظة من حياته.
أخيرا، وليس للحديث عن أبا عبدالله نهاية وأخرى، إلا أنه يجب أن نستوعب النصوص النبوية ومضمونها في فضائل ومقام شهيد كربلاء، وندرك أهمية رموز المنهج المحمدي الذي وضعها رسول الله لنا؛ لنقتفي الأثر، ونسلك السنة الإلهية لهداية الأمة المتمثلة في محمد وآل محمد؛ لنبقى على قيد الحسين حبا وولاءا وعملا وإقتداءً وأثرا.