طالبان اليوم ليست داعش ولا القاعدة ، ولكن…!
إب نيوز ١٧ أغسطس
محمد صادق الحسيني
طالبان جمع طالب باللغة المحلية ، وهي اشارة الى جماعة من الطلبة الافغان الذين درسوا او تدربوا في مدارس مولوي جلال الدين حقاني صاحب *شبكة حقاني* العسكرية القتالية السلفية الباكستانية في منطقة وزيرستان المحاذية لافغانستان..!
والمعروف ان حركة طالبان السلفية الجهادية قد تشكلت في العام ١٩٩٤ في شرق افغانستان على يد الملا محمد عمر الشهير .
في حقبة الملا عمر برز الجانب المتشدد المعروف لطالبان وكل من عداه من المؤسسين ظل مغموراً بمن فيهم واحداً من اهم مساعديه وقادة التأسيس الحركي *الملا عبد الغني برادر *…!
وقد اشتهر في اروقة الديبلوماسيين والسياسيين للدول المحيطة بافغانستان يومها بان هذه الحركة الافغانية المتشددة، قد تم رعايتها بشكل ملحوظ وبارز من قبل الاستخبارات العسكرية الباكستانية.
كما عرف ولا يزال معروفاً بان باكستان ظلت على علاقة وثيقة بالحركة ، وانها لطالما استخدمتها كورقة قوية في علاقاتها الاقليمية ومفاوضاتها حول مستقبل افغانستان والمنطقة.
ثمة واقعة مهمة حصلت قبل نحو ١٠ سنوات لابد من ذكرها هنا لعلها شكلت محطة مهمة وعلامة فارقة فيما جرى وربما لا يزال يجري في افغانستان.
في العام ٢٠١٠ وفي عملية مشتركة للمخابرات الاميركية والباكستانية يتم القبض على احد اهم الرموز الطالبانية التي كانت تطاردها واشنطن بعد موت ملا عمر الا وهو ملا عبد الغني برادر الزميل الحميم لبن لادن .
وبعد اختفاء تام للرجل لمدة ٨ سنوات اسيراً لدى الاميركيين ، وبعد مفاوضات شاقة اجرتها الحركة وبوساطة قطرية ملحة ، يتم اطلاق سراحه في العام ٢٠١٨…!
وبسرعة يتقدم الملا عبد الغني برادر، ليصبح مديرا للمكتب السياسي للحركة وممثلها في الدوحة ، ومن ثم يصبح كما هو الان الرجل الاول للحركة بلا منازع ، وهو الذي قاد كل المفاوضات الاخيرة مع الاميركيين ، وعقد كل الاتفاقيات العلنية والسرية معهم ، وهو الذي يشرف حاليا على كل التطورات الامنية والعسكرية والسياسية لحركة طالبان ، وهو الذي يفترض انه دخل كابول فاتحاً…
لا احد من المتابعين الجديين يعتقد ان طالبان ستسلم مقاليد البلاد بولاياتها ال ٣٤ للاميركيين ومخططاتهم المستجدة بسهولة فهم قاتلوا طوال العقدين الماضيين من اجل اهداف حركتهم وقدموا الاف الشهداء في هذا الطريق …!
والاغلب انهم سيلعبون على التناقضات الاميركية وتوظيفها لفرض امارتهم الاسلامية كامر واقع بدون قرقعة سلاح ….!
في هذه الاثناء وكما تقول مصادر افغانية متابعة فان الاميركيين من جهتهم ، عملوا ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً خلال العقدين الماضيين ، – وعلى طريقة اعداد الخطة ب والخطة جيم لكل مخطط- في القضاء او الامحاء او الازاحة لكل الرموز الطالبانية المتشددة ، لتظهر “طالبان ” جديدة،ديمقراطية ،تعددية ،تقدمية معتدلة، عاقلة ، مسالمة ، تتربع عرش كابول لتكون واجهة افغانية ( پشتونية) كاملة الدسم، مطعمة ببعض من الوان الطيف الافغاني من الطاجيك الى الاوزبك الى الهزارة الى الدرانيين او النورستانيين وذلك عندما تحين لحظة الانسحاب التي لابد منها، وهاهو زمانها قد حان ….!
وهذا يعني فيما يعني ان العقدين الماضيين كانا كفيلين في بلورة نسخة جديدة من طالبان غير نسخة طالبان الاولى الملتصقة بذهن الناس بملاعمر وبن لادن …!
طالبان الجديدة هي طالبان السنية الحنفية السلفية القوية ، لكنها غير الوهابية التكفيرية ، طالبان المنفتحة على العالم الخارجي بكل تلاوينه ولكن:
طالبان التي ستشكل كما يتمنى الاميركيون بالطبع جداراً يشبه سور الصين العظيم بوجه كل من بكين وموسكو وطهران…!
جدار يمنع التحام الثنائي الصيني الروسي العملاق ، مع القطب الايراني الصاعد والواعد…!
لم يكن ذلك ممكناً بدون تحول حقيقي في طالبان نفسها ، ورجل المرحلة لم يكن سوى ملا عبد الغني برادر ، ومساعديه الذين يملأون الشاشات اليوم ويقودون المفاوضات والحوارات في كل من طهران وموسكو وبكين بالاضافة الى الدوحة…!
موقع افغانستان الجيوبوليتيكي والجيواستراتيجي بمثابة نقطة تقاطع التاريخ والجغرافيا بين الحضارات والمدنيات الشرقية وحتى الغربية منها ، كفيل بنظر الاميركيين اذا ما ظل قلقاً وغير مستقراً على ان يكون كفيلاً بزعزعة مشروع “حزام واحد طريق واحد” الصيني وجعله يتعثر ، وطريق الحرير الحديدي الشرقي مقطوع عند النقطة الافغانية ، وان يشاغب قدر الامكان على منتدى او منظمة شانغهاي للتعاون وهي المنظمة الامنية السياسية الاقتصادية التي تضم نحو عشر دول اهمها الصين وروسيا والهند والتي يفترض ان تصبح ايران رئيسي الدولة الجديدة كاملة العضوية فيها في ١٧ من آب المقبل…
واذا ما استحضرنا المشهد التلمودي و الهوليودي الاميركي الى واجهة الاحداث الجارية حاليا في افغانستان ومحيطها ، فان ثمة من يجزم في افغانستان وفي محيطها من الباحثين، بان الاميركي الذي طالما ناور بداعش والقاعدة واستعملهما بطريقة تدوير النفايات ، فانه سرعان ما سيلجأ الى خلط الاوراق قريبا ، لتنطلق دورات عنف متعددة تشعل كل آسيا الوسطى والقوقاز انطلاقا من افغانستان لتصل الى داخل روسيا والصين من خلال تحريك الاقليات العرقية المجندة بالالاف تحت الرعاية الاستخبارية الاميركية..!
وهذا هدف اميركي معلن ومعروف ، وتتم الدعاية له على طول الخط ، تحت عنوان مخادع وهو الدفاع عن حقوق الانسان وحرية المعتقد ومحاربة الديكتاتوريات والانظمة الشمولية..!
طبعا يحصل هذا في اطار المخطط الاميركي الذي يحاول دوماً ان يحول هزيمته المرة الى نصر مزيف…!
انها معركة عالمية جديدة اميركا بحاجة ماسة لها ، في خطتها لوقف الصعود الصيني المتسارع في كل شئ، والقوة العسكرية الروسية المتفوقة على اميركا بالاسلحة التقليدية وغير التقليدية، وما تسميه بالنفوذ الايراني المتعاظم والذي بدأ يشكل تهديداً وجودياً لقاعدتها المتقدمة في المنطقة التي اسمها “اسرائيل”…!
الايرانيون والروس والصينيون يدركون تماماً دلالات ما حصل ويحصل في افغانستان من هزيمة منكرة للاميركيين ، ومن خبث في نسخهم الجديدة في المواجهة، ولكنهم يعرفون ايضا لاسيما الايرانيين ، كيف تخاض معارك الحروب الناعمة وهم الابرع في لعبة الشطرنج…!
ووادي پنج شير وقاسم سليماني مع احمد شاه مسعود… يشهد لهم…
وفيلق فاطميون يشهد لهم ، وامور اخرى تبقى قيد المفاجآت ستكشف مدى سطحية وسذاجة الاميركي ، وكيف ان اليانكي الكاوبوي سيلدغ من نفس الجحر مرتين…!
كل هذه التحليلات متحركة بانتظار موقف طالبان الحقيقي الذي ننتظره
بفارغ الصبر:
من “اسرائيل”
وسيدها الاميركي…!
*بعدنا طيبين قولوا الله*