انحرافُ الأمّة بين الأمسِ واليوم

إب نيوز ١٧ أغسطس

منار الشامي

عندما وقعَ الاختيارُ على الإمامِ عليّ لحملِ المسؤولية وتحملِها كان واقعُ الأمرِ إلهياً؛ أيّ لا يجب أن يعترضهُ النبي نفسه، إلّا أن ما حدث بعد موتِ الرسول نبّأ بالخطرِ القادم والذي لا يوحِ إلا بالانحرافِ عن الخطِ القويم ، كون الأوامر الإلهية ضُرب بها عرض حائِط العنادِ والنفاق ، لإن الإسلام بفطرتهِ الأساسية لن يُبنى البناء الصحيح إلا على أساسِ هذهِ الأوامر والتوجيهات .

منذُ أن تُرك أُسامة وعاد خائباً إلى الرسول يُحدثهُ عن تفريطِ كبار الصحابة وتخاذلِ من كررّ عليهم “انفذوا جيش أسامة” ، عرف الرسول صلوات الله عليه وآله بإن هذا الدين الذي أخذ من عُمرهِ عقدين وبضعةُ أعوام على قيدِ الخطر ، لهذا كانت مسؤولية الإمام علي عليه السلام عظيمة لدرجةِ أن قال لهُ الرسول بإن قتالهُ عن التأويل سيبلغُ عناء القتالِ على التنزيل .

انحرفت الأمّة عن الطريقِةالمرسومة والغايةِ المنشودة، وتركت علياً أسير الظُلم بإقصائهِ عن مكانه وإبعادهِ عن دورهِ الريادي، من تلك اللحظة ومن ذلك المكان وفي تلك الأمة، ذلك الوقتُ الذي أضحى فيه عليّاً مُجرّد مستشار وبقية الصحابة قادةً للأمة ، تلك اللحظة التي أُقصيّ فيها علي عليه السلام من موقعهِ في الولاية، هي من قتلت فيما بعد الزهراء كمداً ، وهي من كانت السبب في أن يصل الحالُ بالأمة أن يُقتل فيها علي وهو في محرابهِ يُصلّي في شهرِ رمضان وفي ليلةِ القدر ، تلك اللحظة هي من جعلت الحسن يموتُ مسموماً بتخطيطِ معاوية، هي من جعلت الحُسين يسقطُ صريعاً، يُقطعُ رأسه وتُسلبُ حقوقه وتُسبى نساءُه !تلك اللحظة هي من قتلت الإمام زيد بن علي عليه السلام، يُقطعُ رأسهُ، وتُصلبُ جُثته، ويتم حرقه، تلك اللحظة هي من كانت السبب في قتلِ أئمةِ أهل البيت واحداً تلو الآخر ، سمّاً وقتلاً في العهدِ الأمويّ وحتى العباسي والعثماني وإلى اليوم، تماماً كما قالها الشاعرُ الهبل “وكلّ مصابٍ نال آل محمدٍ ، ليس سوى يوم السقيفةِ جالبه” .

انحرافُ اليوم هو وليدُ انحرافِ الأمس، وليد ذلك الانحرافِ والانحطاطِ الذي حدث في كربلاء ، وليدُ تلك اللحظة التي داست الخيولُ فيها صدر الحُسين ، وليد الثلاثةُ والثلاثون طعنة ، والأربعةُ والثلاثون ضربة سيف، المائةُ والعشرون سهمًا، إن ما يحدث اليوم هو نفسُ السيناريو الذي حدث بالأمس، كربلاءُ اليوم هي كربلاءُ الأمس ما الفرقُ إلا الزمن ، عادت عاشوراء بتفاصيلها، وقوافلُ الشهداء التي شربت حُبّ الحسين وعشقت طريق الحُسين خيرُ شاهدٍ وخيرُ دليل .

عندما قُتل الحسين كان الجميع يشهد بالشهادتين، وكان الأغلبُ عائدون من موسم الحج ، عندما قُتل الحسين كان المسلمين قد أنهوا صلاة الظهر، وكان رمضان قبل الحادثة بثلاثةِ أشهرٍ وعشرةِ أيام، كانت زكاة الفطر قد قُدمت وأضاحي الأضحى قد ذُبحت، فقط ليُدرك الجميع بإن الإسلام للفعلِ لا للقول ! وعندما قُتل اليمنيين والفلسطينيين، والعراقيين واللبنانيين والسوريين ، كان هناك أيضاً من يشهد بالشهادتين ويُقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصومُ رمضان ويحجّ البيت إن استطاع إليهِ سبيلا !

انحراف الأمّة بين الأمسِ واليوم هو ذاتهُ ، والمتخاذلين والمنافقين الذين قادتهم أقداهم إلى الباطل ومقارعةِ الحق اليوم في ساحتنا الإسلامية، هم ذاتهم من حملوا روحية التخاذل والنفاقِ أمام الحُسين في كربلاء ، هم نفسهم من تخاذلوا أمام نصرة الإمام علي عليه السلام ، إن أساس الدين وهو الولاية، وعندما عُطّل ضاعت الأمة وهو ما يجبُ أن نُحافظ اليوم عليه ، فما كربلاء إلا أولى نتائج الانحراف .

.

You might also like