من وحي الجمال في عاشوراء

إب نيوز ١٧ أغسطس

خلود الشرفي

الجمال بمفهومه العام هو الحُسن الملموس في كل ماحولنا، والجمال هو نعمة إلهية عظيمة تجعل الحياة رائعة ممتعة، غنية بمجالات التفاؤل، مشبعة بنظرات الأمل لكن، موضوعنا اليوم يتعلق بالجمال في عاشوراء كربلاء بالذات، وبمعنى أكثر وضوحاً، فهو بطبيعة الحال يسلط الضوء على الأشياء الجميلة التي ظهرت في عاشوراء الإمام الحسين سلام الله عليه وعلى آله وأصحابه، إن الجمال في عاشوراء يكمن في الجوانب النيرة من أحداث يوم عاشوراء الأليمة، وهناك يمتزج الألم بالجمال و المرُّ بالعسل لتكون صورة نادرة في الوجود ومشهد قلَّ أن نجد نظيره في كل أحداث التاريخ.

في الغالب الذين يتحدثون عن الجمال، يتحدثون عن الجمال المادي المحسوس، أو يتحدثون عن جمال الجسد، والجمال بهذا المعنى عبارة عن :تناسب الأعضاء في الجسد الإنساني، وهؤلاء المهتمون بالجمال أولوا عنايتهم بهذا الجمال المحسوس “جمال الجسد “، وجعلوا له مقاسات تحدده، ومعايير تضبطه، وأقاموا له مسابقات ومباريات، تنتخب من خلالها ملكات الجمال في العالم، وفق هذه المقاييس المحسوسة للجمال.

لكن في شخصيات عاشوراء، وفي ميدان كربلاء، نجد هذا الجمال الذي يبهر العيون، ويخطف الألباب، فالمؤرخون حين يصفون جمال القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يقولون : “كان القاسم بن الحسن غلاما لم يبلغ الحلم، كأن وجهه فلقة قمر طالع ” ، وعن جمال علي الأكبر بن الإمام الحسين عليه السلام، ينقلون لنا وصفه، على لسان أبيه الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه و آله :” إنه برز اليهم غلام، كان أشبه الناس برسول الله خَلقا، وخُلقا، ومنطقا، وكان إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا اليه”، فعلي الأكبر كان على وجهه نور النبوة وبهاؤها .

لكن جمال عاشوراء، التي هي لوحة جمالية لامثيل لروعتها، لم يقتصر الجمال فيها على جمال الوجوه الطالعة كأنها الأقمار، والمشرقة بالأنوار، بل تجلى في عاشوراء جمال آخر، هو جمال القيم، جمال المكرمات والمناقبيات، التي جسدها أبطال كربلاء، رجالاً ونساء وأطفال، والتي افتقدها المعسكر الآخر الذي جسد القبح والرذيلة وكل معاني الشر ، وإلى هذا الجمال أشارت السيدة زينب عليها السلام، لما أدُخلت الى مجلس إبن زياد لعنه الله ، حين بادرها عبيدالله بن زياد
شامتا :كيف رايتِ صنع الله بأخيكِ، والعتاة المردة من أهل بيتكِ ؟ قالت (عليها السلام ) :” مارايت إلا جميلا، أولئك قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا إبن مرجانة؟”، هذا المقطع من كلام السيدة زينب عليها السلام، فيه إشارة إلى هذه القيم، والمعاني الجمالية، التي تجسدت في عاشوراء
أشارت عليها السلام الى قيم البطولة والشمم والإباء، والكرامة والنبل، والوفاء والحب.

إنالو طلبنا من فنان أن يرسم لنا لوحة عاشوراء، وطلبنا منه أن يرينا مواطن الجمال في هذه اللوحة، فأنه لايستطيع أن يُرينا أي موطناً للجمال، لأنه سيرينا دماء تغطي المكان، ورؤوسا مقطوعة، ومرفوعة على أطراف الأسنة، وخياما محروقة وأطفال مذبوحة من الوريد الى الوريد، تماماً كما تفعل داعش اليوم، لانرَ في أفعالها جمالاً، بل نرى قبحا وشناعة وبشاعة، فلماذ لايرَ الفنان جمالاً في هذا المشهد؟ لأن كربلاء كالعملة التي لها وجهان، فمشهد كربلاء له وجهان، الوجه الأول: وجه الجريمة، والبشاعة، والقبح، والذي جسده المعسكري الأموي الذي تعرى من كل قيمة أخلاقية وإنسانية، والوجه الأخر لهذاالمشهد: هو الوجه المشرق الجميل، الذي جسده الإمام الحسين عليه السلام، وجه البطولة والكرامة والقيم والمناقبيات والاخلاق .

إن السيدة زينب عليها السلام أشارت إلى جمال كربلاء الذي تجلى في وجهها الآخر، وجه الإباء والبطولة، والكرامة والنبل، والقيم، فالشهادة في سبيل الله جمال، والرضا بقضاء الله الذي جسده سيد الشهداء (عليه السلام ) بقوله: ” إلهي رِضاً بقضائك”، هو جمال، وبكاؤه على خصومه القتلة، الذين أوقدوا نار الحرب عليه، والتي ستودي بهم الى النار، بكاؤه عليه السلام على هؤلاء الأشقياء، هو تجلِ لجمال الحب في قلبه الذي لم ولن يعرف حقدا،
فكربلاء، هي رسالة حب إلى الإنسانية كلها، هي رسالة خير وقيم وأخلاق،
فالسلام عليك ياسيدي يا أباعبدالله، وعلى أهل بيتك وأصحابك، ومن حمل رايتك، وثبت على خطك، اللهم اجعلنا مع الحسين في الدنيا والاخرة والسلام على الحسين وعلى علي إبن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين .

You might also like