في وطنـي “كـربلاء”

إب نيوز ١٨ أغسطس

آيـات الله المتوكل

تجعل أرواحنا حطام تلك المواقف الكربلائية، نقرؤها ونعيشها بخيالنا فما ننتهي إلا وقد أوشكنا على الإنتهاء، لأن مع كل مصيبة نفقد طعم الحياة ولايبقَ طعمها إلا الرصاص والدِماء، وماقرأناه يترك أثرٌ بالغ فينا، كيف لا وهو واقعٌ نراهُ ونسمعه، وماسطرتهُ الكُتب الكربلائية وكأنها مقدمة لكربلاء اليوم، وكربلاء الحُسين تُشير إلى أن بعد ذلك سيكون كل يوم كربلاء، كانت نتيجة انحراف وفتَّكَ بِنـا إلى اليوم .

نضعها مقارنـة ولانجد الاختلاف إلا شخصيات بأسماءها أما الصفات فقد تجسدت في العصرين صموداً ومبادئ وظلم ووحشيِّة، فحُسين اليوم يُشبِه حُسين الأمس، لم يخرج أشِراً ولابطراً وإنما خرج للإصلاح في أمَّة جده، خرج مدافـعاً شامخاً، ليضع خطاً للطغاة ولا مجال للتعدي مادامت راية الحقِ قائمة، خرج رافضاً بيعة الظالم العابث بالإسلام، ولم تتهاون نفسهُ للحظة، ولم تسوَّل لهُ بالسكوت لأن المشروع الذي يحمِلُه يأبى لهُ ذلك، لأن الأمَّة كانت ستبقى في يد عدوٌ لها، يحلل ماحرم الله ويحرم ماحلل الله، ينتهك الحُرمات وهو حامل إسم ُ الدين، يحكم بحكم نفسه وهواه وليس لِحكم الله مكاناً في ولايته، يزيد الملعون ويزيد عصرنا لايقلُّ عن وحشيته بل الألآف من يزيد وإبن زياد يمثلوا بأجساد الحسينيون ويحتزوا رؤوسهم، ظانين بأنهم قد افلحوا، فيغصِّوا بكوابيسهم وخيال المختار يبقى يُلاحِقهم .

فالإمام الحُسين وأصحابهِ حملوا الولاء والفداء لدين الله، ولايمكن لأتباع الإمام علي أن يضعوا أيديهم على يد عدو الله ليجعلوه خليفةً للمسلمين، ويحمل اسم أمير المؤمنين، لأن هذا الإسم حاشى أن يكون لطاغية حتى وإن إدِّعى ذلك، كربلاء الأمس، أشد منها كربلاء اليوم، عبدالله الرضيع أمثالهِ آلاف الأطفال اليمنيين، لأن الطفولة تُقتل من ذلك اليوم، ولا حق بالعيش إلا لمن ترَّبى على الفسوق، لم يرحموا صغيراً ولا كبيراً، كالعدوان الصهيوني الذي يُطلِق صواريخه فيُناثرُ الأشلاء ولايأبه حرملة عصرنا بما يُسمى بحقوق الطفل.

نعيش ونرى وحشية لانظير لها، ونرى ضدِها أيضاً من الشجاعة والإباء والوفاء، نرى قمر بني هاشم راحلاً ليأتي بالماء، بعد أن ظمأوا عطشاً، فيأبى الشرب من النهر والحسين وأصحابه لم يشربوا رغم أنهُ كان في غاية العطش، كانت سِهام العدو تأتي نحوه لتقضي عليه لكنها أبداً لم تقضِ على القلب الذي حمله، ولا على البأس الذي لم يملكهُ أحدهم، مخُلصاً مُضحياً مُآثراً فهيهات أن يترك أخاه، مُصرِّاً أن يأتي بالماء فالسهام الغادرة قطعت يداه اليمنى ثم اليسرى،ثم لحقهما هوَ، ارتقى فهو القمر الذي ليس لهُ مكانٌ في الأرض، وكم عباس في عصرنا، لا يترك حُسين أبداً، يحمل رفيقهُ على كتفه ولايبالِ بما قد يُصيبه، يُنقِذُ الجرحى وكل ماحولهِ رصاص وحِصار .
كربلاؤنا مُرَّة لكنها أبداً لم تخلى من العزم والدروس، كانت العظة والعِبرة تملؤها، ففي كربلاء الطف تقف زينب إبنة علي عقيلة بني هاشم موقفٌ العفِّة والصبر، موقف والدتها التي كانت شريكة في الدِفاع عن هذا الدين، وكم عقيلات في عصِرنا يُقدمن أزواجهن واخوانهنَّ لنصرة دين الله، وقفنَّ شامخات آبيات الخضوع، وقولهنَّ إن كان هذا يُرضيك يارب فخُذ حتى ترضى .

رقية وطني تودع أباها بقلبٌ مكلوم، تبحث عنهُ غير مُصدِّقة إنهُ قد يتركها، ويزيد العصر يزعجهُ أنينها فلايخشى أن يُريها أباها وهو بحال لاتحتمله، لاتكف الألآف الكلمات لأن نصف فيها كربلاء، لأن كربلاء في كل أرض، لأن الأحداث أكبر من أن تحكى، ووصفها نعجزُ عنهُ أحياناً، لكن مالم نعجز عنه هو المواجهة هو إكمال مابدأهُ الحسين، هو الولاء والدفاع عن هذا الدين، هو الجَهرُ بكلمة الحق أمام كل جائر، فالدموع التي تنزل على كربلاء في كل عصر؛ يجب أن نجعلها وقود تُحِرقُ كل من يريد أن يصنع كربلاء مرَّةً أخرى.

.

You might also like