عاشوراء مدرسة للقيم الإيمانية

إب نيوز ٢٠ أغسطس

د.تقية فضائل

يوم العاشر من محرم يوم خالد في ذاكرة الدهر ؛ يوم تنافست فيه الدروس والعبر كثرة وعمقا وأثرا وعظمة، لكأنما هو دهر من الأحداث الجسام التي رسمت مسارا تصحيحيا للدين الإسلامي بعد أن حرفه طغاة بني أمية ليتلاءم مع أهوائهم الشيطانية ومصالحهم الدنيوية ، وبرزت شخصيات حسينية خالصة أدبت الزمان بأدب محمدي إلهي المنبع رباني الكمال والسمو ، كاد يذوي بسبب من تدثروا بالدين كذبا ورياء ، ومن سكتوا عن الظلم خوفا ورهبة، ومن جهلوا الدين قيما ومبادئ ،ومن فرطوا تكاسلا وتباطؤا ، وكلما قرأنا عاشوراء من أي جانب من الجوانب قرأنا القيم الإيمانية تنتصر على قيم الجاهلية قرأنا العزة والعظمة والإباء تنتصر على الخسة واللؤم والدناءة ، فسلام الله عليك معلمنا وقدوتنا أبا عبدالله الحسين وسلام على تلك الثلة المؤمنة التي أبت إﻻ أن تظل رمزا للصمود والتضحية و كل قيم الإيمان الخالص.
.
والدروس من حركة الحسين -عليه السلام- وأصحابه وسلوكهم وتضحياتهم وصمودهم وعطشهم وجوعهم وقتالهم واستشهادهم إنما هو تجسيد لأدق تفاصيل قيم
تحمل المسؤولية كاملة تجاه الأمة وعدم القعود والخنوع أو اللامبالاة بما تعانيه أو اختلاق الأعذار الواهية للجلوس عن نصرتها .

مع الحسين تعلمنا وجوب نصرة الحق و المستضعفين أينما كانوا و مهما كانت التضحيات ، لأن هذا من أوجب الواجبات في الإسلام ولو بذلنا أرواحنا ودماءنا وأموالنا وأبناءنا في سبيل الله

لم يكن للحياد مجال لدى الحسين و أهله وأصحابه في مواجهة الظالمين المستكبرين ، لأن الحياد ضعف وتخاذل و إعانة للظالمين بالصمت عن ظلمهم وأثما يبوء به صاحبه و يحصده ندامة وحسرة.

ودرس في فهم وتنظيم الأولويات عند الإقدام على الأمور الحياتية خاصة المصيرية منها ؛ فالتخطيط يأتي أوﻻ والإمام الحسين يخطط لهذا اليوم منذ عشر سنوات وهي المدة التي سلم فيها الإمام الحسن الأمر إلى معاوية ليرقأ دماء المسلمين، وأصبحت الأولوية الأولى لدى الحسين حين سنحت له الفرصة هو تحويل الحكم من ملك عضوض يتوارثه الظالمون، إلى حكم يسير وفق شرع الله، وكل شيء مهما كانت أهميته يأتي بعد ذلك ؛ لأن الأرضية ستصبح ملائمة لإصلاح الأوضاع .

و الإيمان الصادق والعقيدة الراسخة والثقة بالله هي ما أخرجت الحسين ومن معه كلهم خرجوا ولم يتخلوا عنه، رغم أنها حانت لهم الفرص للتراجع والعودة ،ولكن خلفية الموقف كانت خلفية إيمانية وعقائدية وليست خلفية مادية نفعية وهذا ما ضمن صمودا وثباتا يضاهي ثبات الجبال .

تعلمنا من القيادة الحسينية الشفافية والمصداقية ومصارحة الناس عن الواقع المقدمين عليه في كل مرحلة يمرون بها؛ ليكونوا على بصيرة ويحددون موقفهم بصدق وهذا ما تحقق مع من خرجوا مع الحسين؛ فمن خرجوا لدنيا يصيبونها تراجعوا ومن خرجوا في سبيل لله ثبتوا واستمروا وهذا يضمن إخلاص المجاهدين من جهة، وخلو الصفوف من المذبذبين والمنتفعين والمندسين من جهة أخرى.

الإمام الحسين لم يجلس في المدينة عند قبر جده يدعو وينتظر معجزة تخلص الأمة من الظلم والاستبداد الأموي كما يفعل الكثيرون ممن تنصلوا عن القيام بدورهم الحقيقي في الجهاد في سبيل الله ؛بل تحرك آخذا بالأسباب متوجها إلى الله بالدعاء والتضرع وطلب العون والتوفيق ، وأدركنا أن اللجوء إلى الله والتوكل عليه ﻻبد أن يقترن بالتحرك والجهاد ، وأن الاكتفاء بأحد الأمرين دون الآخر ﻻ جدوى منه.

الاستفادة القصوى من الإعلام والخطب ولكم كانت خطب الحسين ومازالت الجذوة التي تشعل النفوس حماسا للجهاد في سبيل الله والتصدي للظالمين والنيل منهم ويكفينا شاهدا إطلاق شعار ” هيهات منا الذلة ” الذي تحيا عليه ثورات الحق والعدل في كل زمان ومكان إلى أن يشاء الله .

في كل مواجهة بين الحق والباطل هناك مستوى من الحرمات ﻻ بد من حمايتها مهما قدمنا من تنازلات و يتضح ذلك من خروجه -عليه السلام- من مكة مراعاة لحرمة المكان والزمان و كي ﻻ تسفك الدماء في بيت الله الحرام في الشهر الحرام.

التنافس على التقدم لمواجهة الطغاة والثبات إلى آخر لحظة وأداء الواجب ﻵخر لحظة وقد كان تنافس الأصحاب والطالبيين نموذجا رائعا ومصداقا لقوله تعالى ”و في ذلك فليتنافس المتنافسون” واستشهادهم جميعا -سلام الله على أرواحهم الطاهرة – لهو الدليل على ثباتهم إلى آخر لحظة .

مهما قيل ويقال فمدرسة عاشوراء غنية بما يملأ المجلدات من الدروس التي تهذب النفوس وترسخ القيم وتعيد الأمور إلى نصابها وتحرك الأمة في الاتجاه الصحيح وتضمن حياة كريمة في ظل هدى الله .

وفي نهاية هذا المقال نجدد عهدنا للإمام الحسين ؛ فنحن- بأذن الله – سنمضي على دربه وتحت رايته صابرين ثابتين متخلقين بخلقه ومتحلين بشجاعته وصلابته حتى نحقق هدفه، وسنحتمل كل ظروف العيش والمؤمرات ونواجه الأعداء بالقوة والبصيرة والصمود، ولن تثنينا الصعاب والتحديات وكثرة الأعداء ،ولن تفت في عضدنا المصائب والأرزاء ،بل سنتحصن بالإيمان والثقة بالله والصبر والوعي .

السلام على الحسين وأهل الحسين وأصحاب الحسين.

.

You might also like