مبدد الظلمات ومحطم الحواجز..
إب نيوز ٢٣ أكتوبر
ام روحُ الله وجيه الدين.
ماهي الظلمات التي بددها فجر الرسالة الإسلامية وماهي الصراعات التي اطفأت نارها؟ ولماذا كان الرسول صلى الله عليه وآله سراجاً منيراً وبماذا بشر الله – عز وجل – المؤمنين اللذين يتبعون هذه الرسالة؟
هذه تساؤلات لابد أن نتدبر فيها ونعمل الفكر من أجل الإجابة عليها ولا يكفي في هذا المجال أن نقرأ القرآن قراءة عابرة ونسلم تسليماً قلبيا لما جاء به دون أن نعرف ابعاده وآفاقه، ودون أن نستوحي منه أفكارا نتبصر فيها لعلها تكون لنا معراجاً ووسيلة إلى الله.
لقد جاء الإسلام إلى الأمم والشعوب لكي يعيدها إلى حضيرة المبادئ والقيم السماوية الطاهرة، ويخرجها من اغلالها واصرها التي كانت عليا “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” الجمعة/2..لقد اجتاحت الفوضى والحروب الضروس الطاحنة بين القبائل العربية وراج سوق الشعوذة والخرافات لقد حكمت وتحكمت العصبية القبلية المقيتة بروح وكيان كل من سكن بادية الجزيرة العربية والتي لم تر في تاريخها اي مدنية أو حضارة تذكر، بل لم يقترب إليها فاتحو البلاد الأخرى لتخلفها المفرط وفقر باديتها القاحلة التي لا تنبت فيها سوى الزرع القليل لملوحة الأرض وفقدان الماء الكافي.
لقد صنعت هذه الصحراء الغبراء رجل الجزيرة العربية إنسانا شديداً وفضا غليظاً تتآكله الأمية والجهل والخرافة والعصبية والفوضى وشاءت الأقدار أن يأتي من بطن الجزيرة العربية وينزل على أبناءها نور العدل والعطف والمحبة والتعاون والتآلف.. فصنع هذا الرسول من هذه الأمة المتخلفة بالأمس أمة تطوي الفيافي كطي السجل في الصحف بهمتها العالية وروحها الوثابة وتنشر الخير والفضيلة في كل مكان كما اعترف أكثر المؤرخين والمفكرين الغربيين بذلك.
لقد تحكمت على الديانة اليهودية بعدما مستها يد التحريف وروح العصبية والعنصرية فاقتصرت على قوم بني إسرائيل سلالة ضيقة لا يحق للآخرين الانضمام إليها، لأن الأمم والشعوب الأخرى ليست من( شعب الله المختار )! أما الديانة المسيحية فأصبحت هي الأخرى ألعوبة بيد الحكام ووعاظ السلاطين بعد أن شمروا ساعد التلاعب والتجاسر على كلمات الله المقدسة وحرفوها حسب ماتشتهي اهوائهم. ان تسليط الضوء على بعض المفاسد والجرائم التي يرتكبها الإنسان اليوم تحت يافطة الدين في بعض الشعوب قديما وحديثا كالهند والصين وأفريقيا يتلمس جيداً عظمة شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وبركة الإسلام على الأمم التي تفيئت تحت ظل مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها السمحة.
فوأد البنات صورة من الصور التي كانت تتكرر في الجزيرة العربية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وعندما بعث صل الله عليه وآله ورزقه الله – تعالى – الكوثر( الزهراء عليها السلام )، علم هذا المجتمع القاسي الفاقد للعاطفة كيف يتعامل الناس مع الفتيات من خلال تعامله السامي مع ابنته فاطمة( عليها السلام )فقال في حقها فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني)، وقال:( فاطمة ريحانتي)، وقال أيضا 🙁 فاطمة حورية في صورة انسية)، وعندما كانت عليها السلام تأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله كان ينهض واقفاً ويستقبلها ثم يأخذ بيدها ويقبلها ثم يقول( فاطمة أم ابيها). وبهذه الكلمات حول النبي ذلك المجتمع الجلف العاتي إلى مجتمع يفيض عاطفة وإنسانية وحبا ً.
وقد كانت هناك صور أخرى لجاهلية هذا المجتمع قبل الإسلام، فكل قبيلة كانت ترى أن أفرادها يجب أن يبلغوا عددا معينا لا يتجاوزونه، فإن ولد فيهم مولودا جديدا دفنوه حياً! بنتاً كان أم ولداً، لأنهم كانوا يزعمون أن الأرض التي يعيشون عليها لاتكفي لإطعام أكثر من العدد الذي يحددونه، وهكذا فقد كانوا يئدون الاولاد ويقتلونهم، كما كانوا يقتلون البنات ويئدونهن، فجاء القرآن الكريم ونهاهم عن هذه الممارسات الخاطئة قائلا “ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ” الإسراء /31.
وجاء الرسول صلى الله عليه وآله وجاءت معه الرحمة الإلهية، ولننظر كيف كان تعامله مع الحسننين لقد كان الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان مجلسه وهو فوق المنبر يعظ المسلمين ثم يأتي الحسن عليه السلام يتخطى صفوف الرجال ويتعثر ويسقط أرضا وإذا بالرسول صل الله عليه وآله يهب من فوق منبره، ويسعى إلى شق طريقه وسط الناس، ثم يأخذ بولده، ويحمله إلى المنبر وهو يقول 🙁 أولادنا اكبادنا). وبهذه الكلمات وغيرها كان يعبر عن مدى العاطفة التي يجب أن يكنها كل أب تجاه أولاده الذين هم ككبده. فقد كان يحمل الحسنين أحدهما على كتف والاخرعلى الكتف الآخر ويمشي ويقول( نعم الراكبان انتما )وروي أيضا عن أنس وعبدالله بن شيبه أنه دعى النبي صلى الله عليه وآله إلى صلاة والحسن متعلق به فوضعه النبي مقابله وصلى فلما سجد أطال سجوده فرفعت راسي بين القوم فإذا الحسن على كتف الرسول صلى الله عليه وآله فلما سلم قال له القوم يارسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ماكنت تسجدها كأنما يوحى إليك فقال صل الله عليه وآله( لم يوحى إلي ّ ولكن ابني كان على كتفي فكره ان اعجله حتى نزل )وفي رواية أخرى انه قال( إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن اعجله حتى يقضي حاجته ). بهذه الأخلاق السامية والعواطف الفياضة كان يتعامل الرسول مع الأطفال، فلنقارن صورة الأب الذي يأخذ ابنته أو ابنه ليدفنهما أحياء مع صورة النبي صلى الله عليه وآله وهو يعامل الحسننين تلك المعاملة المتدفقة حبا وحنانا.
وصورة أخرى عن المجتمع الجاهلي وهي ذات مرة هاجمت قبيلة قبيلة أخرى فاخذوا أفرادها أسرى لديهم، وقد كان الهجوم يتم عادة بالمكر والخداع حيث يباغتون الناس وهم نائمون من دون سابق إنذار وربما من دون سبب فيحتلون موقعهم وياخذونهم أسرى وهنا وقف شيخ القبيلة المغيرة ووضع الرمح على كتفيه وبدأ ينشد الأشعار الحماسية ليبين من جهة فضائل قبيلته ومن جهة يهجو القبيلة التي انتصروا عليها وفي هذه الأشعار كان يحرض أبناء قبيلته على الأسرى فماكان منهم إلا أن قتلوا الأسرى باجمعهم وابادوهم عن بكرة أبيهم.
ولنقارن الان هذه الصورة الجاهلية الوحشية مع صورة الرسول صلى الله عليه وآله عندما فتح مكة هذه الأرض المقدسة التي كانت تقطنها قبيلة قريش التي سامت الرسول صل الله عليه وآله وأصحابه طيلة ثلاث عشر سنة فما من فعلة قبيحة إلا وارتكبوها بحق الرسول صلى الله عليه وآله فكانوا يأذونه في الطريق ويرشقونه في الحجارة وكانوا يدفعون أولادهم إلى ايذائه ويلقون في طريقه الأشواك، ثم لاحقوه إلى المدينة وقتلوا عمه وضربوه وجرحوه وقتلوا أصحابه وفعلوا به مافعلوا وعندما انتصر عليهم النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة جاء إلى المسجد الحرام وهنا تسمرت أعين الكفار والمشكرين على شفتيه فقل صل الله عليه وآله لهم ماذا ترون اصنع بكم؟ فقالوا اخ كريم وابن اخ كريم فقال صل الله عليه وآله( اذهبوا فأنتم الطلقاء). وهكذا وبكلمة واحدة أطلق سراحهم بل واغدق عليهم الأموال وعفا عنهم! وهكذا فلولا بعثة الرسول الى الجزيرة العربية لانقرض بشرها لأن الناس كانوا يتقاتلون وكان الاولاد يقتلون والبنات في تناقص مستمر بسبب حماقات الجاهلية ولكن ادركتهم هنا الرحمة الإلهية المهداة وجاءت لا لتنقذ الجزيرة العربية فحسب وإنما البشرية كلها ولايسعنا في هذا المقال أن نتحدث ونقارن ماكان في عصر الجاهلية وعصرالاسلام ومابين النور والظلام والحق والضلالة فلن تكفينا أوراق العالم مجلدات ولا البحار مداد للكتابة عن الرسول الأعظم قدوة الصديقين صل الله عليه وآله.