عدن لا ناقة لها.. لكن هانس لا يفقه شيئا!
بقلم / عبدالرحمن الأهنومي
تفتح زيارة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى عدن، الباب على الواقع الميداني المُخيّب لآمال تحالف العدوان وأوهامه ، وتفتح الكثير من الأسئلة والاستفسارات عن الآمال التي يعلقها قادة العدوان الإجرامي على اليمن، على ما يمكن للمبعوث أن يخرج به من بين النقائض المتصارعة في عدن، ما يمكنهم من استعاضة الفشل ، أو هكذا يبدو مشهد الزيارة التي سجلت للمرة الأولى بعد تعيينه مبعوثا إلى اليمن.
بدا حال المبعوث في عدن كمن يفتش عمّا ضيعته الأمم المتحدة من فرص وممكنات تحقيق السلام والتسويات العادلة ، وكمن يفتش عمّا ضيعه تحالف العدوان من المخارج المنقذة له من الورطة التي أوقع نفسه فيها، بعدما ضيع مبادرات أطلقتها القيادة اليمنية في صنعاء وتضمنت مبادرات سلام منصفة وعادلة وحقيقية ، أما حين أوقف المسلحون موكب المبعوث في إحدى النقاط، فقد تأكد له أن الأمم المتحدة هي الجهة الأولى التي خابت آمالها بعد تحالف العدوان.
وقد جاءت زيارة المبعوث الأممي إلى عدن – ولقائه بالمرتزق معين عبدالملك، الذي يتلقد منصبا وهميا – بعد لقاءات عقدها في الرياض مع سفراء عدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع المرتزق علي محسن الأحمر وآخرين من المرتزقة الذين يقيمون في الريتز كارلتون، أحد فنادق الرياض ، والحال أشبه ببعضه، يظل المرتزق مرتزقا عميلا لا يقدم ولا يؤخر سواء كان مقيما في الرياض أو في عدن ، لكن السؤال المطروح اليوم: لماذا ذهب المبعوث إلى عدن وليس إلى صنعاء؟.. الجواب هو أن الأمم المتحدة في حقيقة الأمر لم يعد مرحبا بها لدى صنعاء وهذا الموقف بدأ منذ الأشهر الأخيرة للمبعوث السابق مارتن غريفيث ، والرسالة التي وصلت الأمم المتحدة بهذا الخصوص، أرسلت من صنعاء بطريقة هادئة ومؤدبة.
إن الاقتصار الأممي على عقد الجولات المخيبة للآمال دون امتلاك مبعوث الأمم المتحدة للفهم الملائم للواقع، هي معضلة تحتم على صنعاء إغلاق أبوابها أمام حالة اجترار الفشل المتوالي ، كان لزاما على الأمم المتحدة ومبعوثها التوجه إلى الحديدة أولا ورفع الحصار عن مينائها المغلق بأوامر بايدن والبيت الأبيض ، ثم بعد ذلك التوجه إلى مطار صنعاء ورفع الحظر الجوي المفروض عليه وفتحه أمام مئات آلاف المرضى المحتاجين للسفر ، وكان لزاما عليه أن يوفر الأرضية المناسبة لتجاوز هذه المعضلات وأن يتخطى الحدود التي رسمتها دول تحالف العدوان وأرادت من خلالها تحقيق أهدافها وأطماعها في اليمن ، رغم كون الحصار وقرصنة السفن جرائم إبادة جماعية ، وجرائم إرهاب وقرصنة موصوفة.
على ما يبدو أن هانس غروندبرغ لم يبذل جهوداً لدى أمريكا وبريطانيا والسعودية، لإقناعها برفع الحصار بداية، وهو يعلق آمالا على فقهه وذكائه لتحقيق ما طلب منه أمريكيا وبريطانيا وسعوديا فقط.
ما يحدث في عدن نفسها – وبالتوازي مع زيارة المبعوث الأممي – يجرد الدول الساعية لفرض إرادتها على الشعب اليمني من عناصر التأثير على أدواتها ومرتزقتها المفترض أن يقتصر دورهم فقط على تجسيد رغبة مشغليهم المتناطحين.
إن مناورات الأمم المتحدة ومحاولات المبعوث القفز على الحقائق سبب كاف للقول بأن الرهان على أي حلول ستبعث من أروقة الأمم المتحدة هو رهان خاسر.
يحاول العدوان – وعبر مبعوث الأمم المتحدة – إنشاء اصطفافات سياسية من أقطاب الارتزاق والعمالة تشكل منها قوة تفاوضية في مواجهة صنعاء، غير أن عدن التي يطحن أهلها الجوع وغلاء أسعار المواد الغذائية والوقود ومختلف الحاجيات، تتضاعف مأساتها اليوم بالفوضى الأمنية والتفجيرات والمفخخات التي تضرب سكينتها، كسيرة لا تقوى على أحد ولن تعيد التجربة مرة أخرى، ولن تضيف زيارة المبعوث الأممي ولا زيارات كل موظفي الأمم المتحدة شيئا للمواطنين المسحوقين الذين باتوا يواجهون أوضاعا قاسية وغير مسبوقة جراء ارتفاع الأسعار والتفجيرات والفوضى.
تفجيرات مستمرة وانعدام للأمن واستهداف للمنازل والمناطق السكنية بالقذائف وعمليات الخطف والقتل بحق الشبان والشابات وسرقة الممتلكات تحت قوة سلاح المرتزقة ، كل ذلك يحدث في عدن على مرأى ومسمع المنظمات الدولية التي تتجاهل كل هذه المظاهر، وتتجاهل مظاهر العربدة اليومية لمليشيات الارتزاق والعمالة بحق المواطنين.
الواقع في عدن يقول إن المحتلين وعملاءهم ومرتزقتهم سينتحرون أو سينحرون بعضهم البعض، ويقول إن كل من يحتل شبراً واحداً من عدن وغيرها من جنوب اليمن وشرقه، سيطلق النار على نفسه ، سينتحرون في عدن وفي حضرموت والمهرة كما انتحروا في مارب والجوف والبيضاء، وسينحرون وسينسحبون مذمومين مدحورين تحت أجنحة الليل والظلام، وإلى غير رجعة.
بدأت الحرب التحالفية دوليا وإقليميا من عشرين دولة – على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات والمغرب ودول عربية عدة وكيان العدو الصهيوني – على اليمن أصل العرب وموطنهم الأول قبل حوالي سبع سنوات، تحت زعم إعادة اليمن إلى الحضن العربي ، وفي روايات أخرى إعادة الشرعية – التي أقامت في فنادق الرياض وجدة – إلى اليمن ، وبالطبع من يدرك ويعي كل الأحاديث والعناوين التي أُشهرت منذ الوهلة الأولى للحرب العدوانية على اليمن، بكل قبحها وفقدانها للمصداقية، لا يمكن أن يجهل الواقع المأزوم للتحالف العدواني الذي بات اليوم محشورا في زوايا ضيقة وحرجة جدا، يكاد أن ينقطع نفسهُ بينها.