عطوان : ما هي خيارات الامارات والحوثيين بعد المواجهات العسكرية الأخيرة والمفاجئة؟ هل ستنسحب “أبو ظبي” مجددا ام تواصل حربها “بالإنابة” التي عرضتها للهجوم الصاروخي الانتقامي؟
إب نيوز ١٨ يناير
عبدالباري عطوان :
ما هي خيارات الامارات والحوثيين بعد المواجهات العسكرية الأخيرة والمفاجئة؟ هل ستنسحب “أبو ظبي” مجددا ام تواصل حربها “بالإنابة” التي عرضتها للهجوم الصاروخي الانتقامي؟ وكيف سيكون الرد الحوثي في الحالين؟ ولماذا لا نستبعد تكرار السيناريو السوري في اليمن كليا؟
الحوثيون الذين لم يتركوا أي هدف في العمق السعودي الا وقصفوه بالمسيرات والصواريخ الباليستية والمجنحة طوال السنوات الماضية، تجنبوا استهداف الشريك الاماراتي في “التحالف العربي وعاصفة الحزم” التي اطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في آذار (مارس) عام 2015، وتعهد فيها بدخول صنعاء فاتحا.
***
عندما سألنا مصادر مقربة منهم عن تفسيرهم لهذا التجاهل، اجابت بأن هناك عدة أسباب نوجزها في النقاط التالية:
أولا: عدم الرغبة في فتح جبهتين في آن واحد، أي مع السعودية والامارات معا، علاوة على جبهات داخلية مع حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، و”جيش الشرعية”.
رابعا: قرار الامارات المفاجئ عام 2019 بسحب قواتها بشكل متدرج من اليمن بعد تعاظم خسائرها البشرية التي يقدرها البعض بمقتل اكثر من 150 جنديا، واصابة المئات، وكان من ابرز المصابين نجل الشيخ حمدان بن زايد وزير الخارجية الأسبق، ومحافظ المنطقة الشمالية، وزوج ابنه الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للامارات، وكانت اصابته خطيرة ومقعدة.
عودة الامارات وبقوة الى الملف اليمني وخاصة في معارك شبوة ومأرب والبيضاء وخوضها حربا بـ”الانابة” ضد الحوثيين عبر الوية العمالقة التي يرأسها الجنرال طارق عفاش نجل اخ الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وفصائل أخرى جنوبية، قلبت كل المعادلات على الأرض، وادت الى وقف تقدم قوات انصار الله على هذه الجبهات، وخسارتها سيطرتها على محافظة شبوة الغنية بالنفط، وتكبيد خسائر بشرية ضخمة في صفوفها، وترجيح كفة “قوات الشرعية” وتخفيف الحصار عنها في مأرب التي كانت على وشك السقوط.
بعد تردد استغرق عدة أيام جرت خلاله مشاورات مع الحلفاء في طهران وبيروت، وزعماء قبائل يمنية حليفة، قررت حركة “انصار الله” الحوثية الرد بقصف العمق الاماراتي، ولكن بشكل مخفف ومدروس، واضعف كثيرا من نظيره على العمق السعودي، لإيصال رسالة تحذير للامارات تقول مفرداتها “انتم اخترقتم الاتفاق.. اذا عدتم عدنا، وقد اعذر من انذر” والنقل هنا عن لسان المصادر الحوثية نفسها المذكورة آنفا.
الرد العسكري الاماراتي جاء سريعا، وبعد اقل من 24 ساعة، بقصف جوي لمنزل الجنرال المتقاعد عبد الله قاسم الجنيد، رئيس الكلية الجوية في قلب صنعاء، حيث تقيم ثلاثة عوائل، مما أدى الى مقتل حوالي 23 مدنيا وإصابة العشرات ولأول مرة منذ سنوات.
هناك خياران امام الامارات بعد التطورات الأخيرة، أي الهجوم الحوثي بالصواريخ والمسيرات، والرد الانتقامي بالغارات الجوية على صنعاء:
الثاني: المضي قدما في “حرب الانابة” في هذه المناطق، والالقاء بكل ثقلها في هذه الحرب اليمنية مجددا لتعزيز موقف حليفها السعودي المنهك، تنفيذا لتفاهمات جرى التوصل اليها اثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان لابو ظبي قبل القمة الخليجية في منتصف شهر كانون اول (ديسمبر) الماضي.
***
لا نعرف أي الخيارين ستختار القيادة الإماراتية، فالأول يستمد صعوبته من خروجها من التحالف السعودي، وزيادة التوتر مع الرياض، والتخلي عن طموحات حلفائها العسكرية في الجنوب اليمني، ولكنه سيؤدي الى وقف أي هجمات حوثية جديدة، اما الخيار الثاني، فربما يكون اكثر كلفة لان الحوثيين قد يواصلون قصفهم للعمق الاماراتي بضربات انتقامية اكثر قوة تستهدف البنى التحتية النفطية والسياحية، وخاصة المطارات ومنشآت شركة “ادنوك” التي تمثل الشبه لارامكو السعودية.
القصف الحوثي بالصواريخ والمسيرات للعمق الاماراتي وان كان متوقعا يشكل تطورا خطيرا، غيّر كل قواعد الاشتباك ونقل الحرب اليمنية الى مرحلة جديدة من الصعب توقع تطوراتها، فاذا كانت دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تبعد عن صنعاء حوالي 1600 كيلومتر، وهي نفس المسافة التي تبعدها (أي صنعاء) عن أبو ظبي، باتت تشعر بالرعب والقلق، لأنها قد تكون الوجهة القادمة للمسيرات والصواريخ الباليستية الحوثية، فكيف سيكون حال دول التحالف العربي في هذه الحرب، والامارات خاصة؟
هذا القصف غير المسبوق للعمق الاماراتي اما سيؤدي الى التسريع بإيجاد حل لإنهاء الحرب اليمنية، او تصعيدها، وتوسيع دائرتها، ودخول اطراف إقليمية أخرى فيها، وخاصة دول واذرع محور المقاومة، على غرار ما حدث في سورية، وفي جميع الأحوال فإن مفاجآت العام الجديد بدأت في الظهور اسرع مما تصورنا.. والله اعلم