تحــت جـناحِ الظلام هبَّ صاروخ الدمار.
كـوثر العزي.
في إحدى الليالي، ليالي الشتاء الباردة اجتمعنا نحن وأبي وأمي وأخواني على مائدة العشاء،حينهـا نهضت أُخـتي لتشغيل التلفاز لنرى آخر التطورات في الحرب العبثية التي شُنت عـلينا ظُلماً وعدواناً.
رأينا قصفهم وقتلهـم، رأينا جثث تخرج من تحت الرُكام،والدماء قد خضبت حجـارة المنازل،مشاهد تبكي من بشاعتها الأحجار الصماء،طائرات تتسابق بالقتلِ وتتفاخر بعدد الضحايا،أين إنسانيتهم؟أين إسلامهم المزعوم؟من الذي يشن الحرب؟ أوليست دول الـخليج؟!
إذاً أوليست مسلمة؟! دينهـا ماذا وعروبتهـا أين بيعت؟!
دائمـاً ماقبل إعلان القصف الجوي يقال الطائرة سعودية!
السعودية ياللعجب!
تحدث أبي قائلاً قامت قواتنا المسلحة اليوم قصف الإمارات،حينها زال الإحباط وعرفت اننا ذوي قوة وسنأخذ بثأرنا ولابد مـن يومٍ تعلن فيه الانتصارات مـن محـرابِ الجـهاد.
قال أخي الأكبر:الحمد لله،فعلاً قد أكثروا الفساد في أرضِ اليمن، قالت أُختي لم أنسَ يوم قصف التحـالف بالقربِ مـن المدرسة كيف أصاب الرعب قلوب الطالبات، يتخبطنَّ خائفات مـن الصاروخ التالي أن يُرجم بعشوائية دون رحمة.
تنهدت أُمي قائِلةً: حسبنا الله ونعم الوكيل.
بقينا قليلاً من الوقتِ،
حتى ذهبنا للنوم وأنا أتخيل كيف لون الانتصار وكيف البوابـة التي سندخل منهـا ونكـون أفواج؟!
تخيلت القائد بركنِ مكة يُلقي الخطاب، وإسرائيل في قلقٍ عـلى بيت المقدس، كلما تذكرت رُسمت البسمة على وجهي، نظرت إليّ أمي وقالت: لِمَ الضحكات الخفية هذهِ ياصغيري؟!
قُلت لاشيء فقط أتخيل عندما أبلغ السن القانوني وأحمل سلاحي لأُشارك جـند الله الغلبة والنصر .
دنت أُمي قليلاً لـتقبل جبيني وتقول لي:رزقك الشهادة ياصغيري بعد عمـر طويل مليئٍ بتنكيلك للعدو.
بقيت بفراشي وأنا مازلت أتخيل النصر ولذته،فغفوت ومازال خيال الواقع يرافقني في حلمي،ما إن دقت الساعة الـ12 من منتصف الليل،
حـتى إعتلى صوت الطائرات،نهضتُ بفزعٍ مـن الصوت الذي استقر في سماءِ العاصمة تمسكت بفراشي بقوة، خفت كثيراً، وقلت اللهم احفظنا بحفظك، هاقد جآءوا ليأخذوا بثأرهم،أشباه الرجال.
لـم أكـن أعـلم أن منزلنا هـو مقصدهم ومحل هدفهم .
تحـت جـناحِ الظلام هبَّ صاروخ الدمـار ليستقر في منزلنـا.
في تلكِ اللحظات تذكرت النصر الذي اخترت ألوانـه ذكرت أُمي،أبي،أخي،أُختي مـالذي سيحل بهـم؟! مُررَ شريط حياتي بكل تقاسيمه،وأنـا تحـت الركـام.
من ثمَّ سمـعتُ أحدهم يصرخ اتصلوا بالإسعاف هُناك ضحايا، منهم من استشهد ومنهم من جُـرح،
إنتشلوني من تحـت الركام وتفحصوني جيداً، قال لي أحدهم: من بقي؟!
وكـأني في كابوسٍ، منتظرٌ أُمي تأتي لتوقضني .
رفعت رأسي لـه وقلت: هـل فعلاً كنا هدف لهم؟!
وكان ضحية تكبرهم وعنجهيتهم أرواح أهلي؟!
هل حقاً جآءوا زاعمين أنّ منـزلنا به صواريخ وطوائر مسيرة أجبني
نظر إليَّ نظرة المنكسر وقال لي: ياصغيري تزاعماتهم باطلة وأعذارهم واهنة
وجهت نظري لمـنزلي المدمر وبكيت بكـاء التـائه في وسطِ الغابة .
صرخت بشدة اخرجوا أمي وأبي واخواني بسلامٍ ولاتجرحوا أجسادهم .
ولكن لم تنل أرواح عائلتي السلام من غارات الصهاينة، فارقتني أُمي وأبي واخـواني،بقيت أنـا صاحب الأحلام،بقيت أنـا لأُعمَّد النصر وأحكي يوماً ما الذي قد خُبيَّ في منزلنا من صواريخٍ وطائرات .
نعم بيتنا فيه طائراتي الصغيرة التي أقضي معظم أوقاتي معهـا وأتخـيل حين أصعد عـلى متنهـا وأحقق طمـوحي .
ها أنـا طفل الـعاشرة، فقيد الأسرة أعيش في طياتِ النصر وألمس زناد البنقدية،
لاتستهينوا بي،فدماء أُسرتي لابد مـن الثأر لها .
#كاتبات_وإعلاميات_المسيرة