الاعاصير اليمنية الثلاثة في العمق الاماراتي وتزامنه بالمتغيرات الاقليمية والدولية

إب نيوز ١ فبراير

طالب الحسني

لم يعد بوسعنا اليوم كمهتمين ومراقبين للحرب اليمنية الخليجية ( السعودية الاماراتية ) أن نكتب انطلاقا من البعد المحلي الاقليمي لهذه الحرب  بعد أن باتت تتجه لتصبح فوق اقليمية وتتعلق بالاستجابة للمعادلة التي فرضتها اليمن بقيادة أنصار الله الحوثيين على الرياض وأبوظبي وأيضا على الداعمين الرئيسيين للتحالف الذي تقوده السعودية للعدوان على اليمن والمتمثل في الرباعي الاوروبي الامريكي مضافا إليه كيان العدو الاسرائيلي .

الأعاصير الثلاثة التي أعلنتها القوات المسلحة اليمنية في العاصمة صنعاء واستهدفت العمق السعودي الإماراتي اختارت أهدافا هي في الواقع امريكية على غرار قاعدة الظفرة في أبوظبي التي يتواجد فيها آلاف الجنود الامريكيين ويقول البنتاغون لمرتين أنها أدت إلى اختباء الجنود في الملاجئ ، وتصاعدت فيما بعد لتستهدف التحرك الإسرائيلي ، إذ أن تزامن استهداف ابوظبي ودبي مع وجود رئيس كيان العدو الاسرائيلي يتسحاق هرتسوغ لا يأتي من فراغ ، ويترك جدلا كبيرا دائرا في العمق الاسرائيلي ، من منطلق أن ذلك تهديدا مستقبليا لا يخفي قادة الكيان منذ نتنياهو ووصولا إلى نفتالي بينت رئيس وزراء العدو الاسرائيلي الحالي .

صحيح ان الاستهداف للإمارات ببعده المحلي يهدف لدفعها لمغادرة التحالف الذي تقوده السعودية عبر فرض معادلة فرضت ولا تزال على السعوديا قبلا ، وتتعلق بأن دعم الرياض وأبوظبي ” لأطراف محلية يمنية ” سيعني استهداف هذه العواصم ضمن معركة ستدخل عامها الثامن في مارس المقبل ، ولكن هو ببعده الاقليمي والدولي يفرض على الولايات المتحدة الامريكية ايقاف دعمها للتحالف السعودي الإماراتي في الحرب العدوانية على اليمن ، ومؤخرا يفرض قيودا كبيرة على نشاط العدو الاسرائيلي الذي يتجه نحو بناء تحالف ” عربي ” يقوده انطلاقا من اتفاق ” ابراهام “

هذا الفكرة بدأت تنموا في النقاش الاسرائيلي لجهة ان كان الكيان يستطيع توظيف التطبيع مع دول الخليج والدخول معها في شراكة عسكرية وأمنية لاستهداف محور المقاومة الممتد من إيران مرورا بالمقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية ووصولا إلى الدولة السورية وانتهاء باليمن الجديد ، يحمل هذا النقاش الأضرار والتداعيات التي قد تلحق بالكيان الاسرائيلي ، وهي تقاربه من زاويتين :

القدرة العسكرية التي يمتلكها المحور ، وأنا هنا أصوب على اليمن اعتمادا على التطورات الأخيرة ،  واستهداف الإمارات والسعودية في نفس الوقت والتلويح باستهداف العدو الاسرائيلي واستهداف الدعم العسكري الأمريكي بعد ضرب قاعدة الظفرة في أبوظبي

الزاوية الثانية .. اتخاذ القرار دون تردد ، مع انعدام قدرة العدو الاسرائيلي والولايات المتحدة الامريكية  على فرض أي صفقات مساومات او تسويات مثلما جرى مع الانظمة العربية بدءا بكامب ديفيد مرورا باتفاق اوسلو ووصولا إلى اتفاق وادي عربة وانتهاء باتفاق ابراهام الاكثر  فداحة وخسارة لمشروع الصراع العربي الإسرائيلي .

في الحالتين ، هناك قدرة متمثلة في الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة التي تتطور تباعا ، وهناك ايضا قرار شجاع ينطلق من فكرة عقائدية إسلامية “ومسيحية” ومبدئية ووطنية وقومية  ومدعومة بالتفاف شعبي كبير ، يأتي من عطش اجتماعي جماعي طاغي لمواجهة العدو الاسرائيلي والخروج من حالة الانهزام المسيطرة .

هذه الحالة التي تركبت خلال السنوات العشر الماضية ، هي حالة لم تكن موجودة منذ عقود ، بل كانت موضوعة في خانة الطموح والأحلام ، إذ لا يمكن المقارنة بين الضعف الاسرائيلي الامريكي مع وفرة القوة والسلاح وحتى وفرة المطبعين أمام محور المقاومة  بفصائله ومكوناته ، ويمكن أخذ معركة سيف القدس الفلسطينية التي انتصرت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية كنموذج فلسطيني يشبه إلى حد بعيد إخراج المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان وانتصارها في 2006 ، ويتشابه هذين الانتصارين بالانتصار اليمني على التحالف السعودي الأمريكي المدعوم امريكيا .

يمكن نقل هذه الصورة بشكل متكامل على العجز الامريكي في الشرق الأوسط في فرض ما تريده واشنطن من خريطة للمنطقة ، ونحن الان ربما بإجماع كبير من المحللين والمراقبين على عتبة انسحاب امريكي من الشرق الأوسط ، بما يحمل هذا الانسحاب من ترك ” الحلفاء ” أمام مصير مجهول ، يشبه تلك الصورة التي هزت العالم حين غادرت القوات الامريكية من أفغانستان .

يتجسد هذا العجز في حماية الولايات المتحدة الامريكية في حماية حلفائهم الخليجيين ، من التغيير الكبير الذي يجري على قدم وساق ويرسم خارطة مختلفة في المنطقة ستكون السيادة فيها للقوى الرافضة للهيمنة الأمريكية ، ولن نبالغ إذا قلنا ان ذلك سيجري سريعا وخلال هذا العقد من القرن الواحد والعشرين .

الزلزال القادم ان تخسر الولايات المتحدة الأمريكية والغرب معركتهم مع روسيا  في الصراع القائم والكبير بشأن اوكرانيا ، والمؤشرات الواضحة أن هذه الخسارة قادمة لا محالة واطلت برأسها في الاعلان المتكرر لحلف الناتو بعدم التدخل العسكري اذا قررت موسكو ” غزوا ” عسكريا لاوكرانيا ، والاكتفاء بفرض عقوبات على روسيا ، بيد أن مسار العقوبات لم ينجح في تغيير النظام في ايران ولم ينجح أيضا في اضعافها عسكريا وسياسيا ، أكثر من ذلك أنها أي العقوبات أنتجت ادارة اكثر عداوة للولايات المتحدة الأمريكية حين التف الشعب الايراني حولها وانتخب برلمانا بأغلبية محافظة ، ثم ما لبث أن انتخب الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي المرشح الأبرز لخلافة السيد على خامنئي لقيادة الثورة الايرانية .

نحن أمام متغيرات جذرية جوهرية في العالم لا تسير ببطء كما يظن البعض ، بل تسير بسرعة كبيرة مقارنة بالعقود الماضية .

بدأت من اليمن وسأختم به ، فما يحصل لا يمكن اعتباره محلي يمني ولا حتى اقليمي بل هو جزء من متغيرات دولية .

You might also like