عبدالباري عطوان : هل دخلت حركة “انصار الله” الحوثية على خط الازمة الأوكرانية وقدمت أوراق اعتمادها للانضمام الى المحور الروسي من خلال هجومها بالمسيّرات على الرياض؟
إب نيوز ١٢ مارس
عبدالباري عطوان :
هل دخلت حركة “انصار الله” الحوثية على خط الازمة الأوكرانية وقدمت أوراق اعتمادها للانضمام الى المحور الروسي من خلال هجومها بالمسيّرات على الرياض؟ وهل جاء استهداف منشآت نفطية بهدف رفع أسعار البترول؟ وما هما السببان الآخران لهذه العملية الثأرية المفاجئة؟
قصف منشآت نفطية في الرياض العاصمة ومدينتي جيزان وابها في الجنوب بتسع طائرات مسيّرة يمنية أرسلتها القيادة العسكرية لتحالف “انصار الله” الحوثية، وفي وقت ينشغل فيه العالم بأسره بالأزمة الأوكرانية، والمخاوف من تطورها الى حرب عالمية نووية، هذا القصف، من حيث توقيته، يوجه رسالة قوية “يمنية إيرانية” الى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب، يقول مضمونها “اننا جاهزون، وقادرون للدخول بفاعلية في هذه الحرب، والتأثير في مسيرة تطوراتها، وفقا لمصالحنا وعلى رأسها رفع الحصار عن بلادنا وهزيمة المحور الأمريكي”.
***
نشرح اكثر، ونضع الأمور في نطاقها الصحيح، من خلال التركيز على عنصر التوقيت الذي اختاره الحوثيون بدقة فائقة ونتوقف عن ثلاث نقاط:
أولا: يأتي هذا الهجوم الثلاثي على منشآت نفط شركة “أرامكو” العمود الفقري للصناعة النفطية السعودية، في وقت ترتفع فيه أسعار النفط بمعدلات قياسية، حيث وصل سعر البرميل حوالي 140 دولارا، وهناك تنبؤات بأنه قد يكسر حاجز الـ 200 دولار قريبا.
ثانيا: مشاركة قوات خاصة سعودية في عملية استخبارية لنظيرتها الامريكية لإطلاق سراح فتاتين امريكيتين (من أصول يمنية) كانتا محتجزتين في مكان سري في العاصمة صنعاء، ونقلهما الى عدن، ومن ثم الى الرياض، وسط مهرجان اعلامي سعودي احتفالا بهذا الإنجاز، وهي العملية التي شكلت اختراقا مؤلما لأمن العاصمة اليمنية.
ثالثا: اعلان السلطات السعودية اليوم السبت عن تنفيذ حكم الاعدام في 81 شخصا بينهم خلية يمنية تابعة للحركة “الحوثية” مكونة من سبعة اشخاص، بتهمة الاقدام على “اعمال إرهابية” لزعزعة استقرار البلاد وأمنها وقتل أبرياء.
الامر المؤكد ان العامل الأول، أي استهداف المنشآت النفطية السعودية بالمسيّرات، واصابة أهدافها بدقة، واشعال حريق بمصفاة الرياض، هو العنصر الأهم والاقوى الذي يقف خلف الرسالة الحوثية اليمنية، ولزعزعة استقرار أسواق النفط، وافشال الجهود الامريكية الجبارة المبذولة حاليا لخفض الأسعار بممارسة ضغوط على حلفائها في الخليج، وخاصة السعودية والامارات لزيادة انتاجهما، وهذا لا يعني نفي أهمية العنصرين الآخرين، أي الرد على عملية الافراج عن الفتاتين الامريكيتين، واعدام “الخلية الإرهابية” الحوثية المزعومة، فاليمن بطبعه، حوثيا كان او غير حوثي، يثأر لضحاياه ولكرامته، “ولا ينام على ضيم” لما يتسم به من شجاعة واقدام.
مصدر يمني مطلع، ورفيع المستوى، اكد لنا ما ذكرناه آنفا، وأضاف قائلا “اذا لم نتحرك الآن، ونستغل هذا الظرف العالمي المتأزم، ونعمل على رفع الحصار عن أهلنا بكل الوسائل، فمتى نتحرك اذا؟”، وأضاف “هذه الازمة الأوكرانية جاءتنا هدية من السماء، ولن تتفاجأوا اذا قمنا بعمليات أخرى اكبر حجما وتأثيرا في الايام والاسابيع القليلة المقبلة”.
لا نعرف ما اذا كانت هذه العمليات الهجومية المحسوبة بعناية فائقة جاءت بالتنسيق مع ايران الحليف الداعم لحركة “انصار الله” الحوثية، وبداية التصعيد، بعد تبخر الآمال بالتوصل الى اتفاق نووي شامل وقريب في مفاوضات فيينا، ووقوفا في الخندق الروسي في الازمة الاوكرانية في الوقت نفسه رغم ان السعودية المستهدفة بهذا الهجوم رفضت طلبا أمريكيا بزيادة انتاجها لتخفيض الأسعار وقاومت الضغوط الجبارة للخروج من اتفاق “أوبك بلس”، وفك التزامها وشراكتها مع موسكو في هذا المضمار.
***
حركة “انصار الله” الحوثية ربما تقدم بهذا الهجوم أوراق اعتمادها للانضمام الى المعسكر الروسي عبر هذه المسيّرات التسع، وفي الوقت المناسب، وان كان ما زال من المبكر القول انها ستقبل فورا، بالنظر الى موقف موسكو “شبه المحايد” في الحرب اليمنية حتى الآن مراعاة للجانب الاماراتي السعودي، وحرصا على التنسيق معه في الملف النفطي.
البيان الرسمي السعودي الذي بثته وكالة انباء “واس” الرسمية، حاول التقليل من آثار هذا الهجوم، والقول ان المسيّرات الثلاث التي ضربت مصفاة “أرامكو” جنوب الرياض لم تعطل العمل فيها، واسفرت عن اشعال “حريق صغير” فقط، وهذا البيان، بغض النظر عن دقته او عدمها، لا يخفي حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي ان هذه المسيّرات نجحت في اختراق كل المنظومات الدفاعية السعودية في العاصمة، التي من المفترض ان تكون الأكثر تحصينا، واصابة أهدافها بدقة متناهية.. والله اعلم.