عورات آل سعود المستورة ج5 “اغتيال فيصل”

 عورات آل سعود المستورة ج5 “اغتيال فيصل”

وكالات |إب نيوز 8 -9-2016 انتهينا في الجزء السابق “الانقلاب الأول” من الحديث عن انقلاب الملك فيصل على شقيقه الأكبر سعود، وشرحنا أسباب الانقلاب، وكيف لعب الصراع بين أبناء الملك عبد العزيز الـ 36 الذكور دورًا مهمًا في حسم الصراع.
فعقب خلع سعود من الحكم وتولي فيصل الملك، كان من المفترض أن يتولى محمد بن عبد العزيز الشهير بـ”أبو الشرين” ولاية العهد وفق الترتيب العمري بين أبناء الملك عبد العزيز، لكن بدلا من أن يتولى محمد ولاية العهد، تولى شقيقه من نفس الأم خالد المنصب بدلا منه.

الرواية الرسمية تؤكد أن محمد صاحب النفوذ القوي في العائلة تنازل عن الحكم برغبته لشقيقه فيصل، ولكن هناك رواية أخرى تؤكد أن محمد “أبو الشرين” ضغط عليه من قبل إخوته، وأقنعوه أنه غير ملائم للحكم لما عرف عنه من انغماسه في الشرب والسهر، فوافق شريطة أن يتولى أخوه خالد ولاية العهد، فوافق الجميع نظرا لأن خالد عرف عنه ضعف شخصيته، وعدم درايته بالأمور السياسية فقد كان خالد أشبه ما يكون للبدوي أو القروي الساذج، مما منح المزيد من الطمأنينة لفيصل خوفا من محاولة الإطاحة به كما أطاح هو بسعود، وكذلك أبقى تولي خالد لولاية العهد على باب المنافسة على الحكم مفتوحا أمام باقي الأخوة الآخرين.

لم تنته الأزمات قبل أو بعد عزل الملك سعود عن الحكم، فالمملكة الوليدة كانت مهددة بشدة، فقد مثل عبد الناصر – الساعي لإسقاط الأنظمة الملكية في المنطقة والتوسع بفكره – تهديدًا كبيرًا لحكم آل سعود، وكان لإسقاط الإمام البدر في اليمن دور كبير في إشعال الداخل السعودي، فقامت السعودية بدعم رجال القبائل في اليمن واستنزاف مصر في حرب طويلة تكبدت خلالها مصر خسائر فادحة على مستوى الأفراد والنفقات، لكن ذلك لم يمنع أن تتسبب الحركة الناصرية في زعزعة الاستقرار الداخلي في السعودية أيضا.

لقد حاول الكثير من السعوديين التمرد على حكم آل سعود، وكان الكثير منهم يبحث عن أنظمة أكثر ديمقراطية، ومنهم من تأثر بالحركة الناصرية مثل حركة “الضباط السعوديين الأحرار”، والتي حاولت قيادة انقلاب فاشل على السلطة عام 1954م انتهت بإعدام كل من شارك فيها، وفي نفس العام قام الطيران السعودي بالإغارة على منطقة جيزان التي طالب فيها رجال القبائل بالمزيد من الحريات الدينية وانضم إليهم 12 ضابطًا لكن تم القضاء عليهم أيضا، ولكن كل ذلك لم يمنع من استمرار عمليات التمرد في الجيش.

استمرت الإعدامات داخل صفوف الجيش وسط وجود حركات عديدة من التمرد ما بين أعوام 1957 – 1962، التي كان من أشهرها خروج تظاهرات قوية من الجنود والضباط ترفض إنهاء إرسال البعثات العسكرية لمصر، وهو القرار الذي اتخذته السعودية خوفا من اختراق مصر للجيش السعودي عن طريق هذه البعثات، ولم ينسَ أبناء آل سعود أن مصر كانت سببا في يوم من الأيام في انهيار مملكتهم الأولى.

كان من ضمن أخطر الظواهر أيضا ما حدث في عام 1962 عندما انضمت أربع مجموعات من القوات الجوية السعودية للقوات المصرية المرابطة في اليمن، وهو ما دفع السعودية لطلب حماية مجالها الجوي من قبل واشنطن، بعد أن شعرت بالخطر يحدها من كل جانب ولم تعد تثق حتى في قواتها السعودية.

لم ينته الصراع بين مصر والسعودية حتى بعد خلع الملك سعود، فالخلاف لم يكن خلافا بين أفراد ولكن بين أنظمة وأيديولوجيات، فقد استضافت القاهرة سعود، واستخدمته لمهاجمة النظام السعودي من خلال إذاعة صوت القاهرة، الذي ادعى أن الولايات المتحدة ساهمت في إسقاطه بسبب عزمه إغلاق قاعدة الظهران الأمريكية، كما قام سعود بإقراض الحكومة المصرية 10 ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية وقتها، والأغرب من ذلك زيارته لصنعاء واعترافه بحكومة السلال الموالية لمصر مقابل اعتراف السلال به ملكًا للسعودية، كما نشرت صحيفة الأهرام أن سعود وافق على التعامل مع فصائل المعارضة السعودية الساعية لإقامة جمهورية.

بينما لم تتوقف أحلام سعود باستعادة السلطة المسلوبة منه، التي استمرت حتى خسارة مصر لحرب اليمن ومن بعدها نكسة 1967 لتأخذ مصر في تغيير سياستها تجاه الخليج ليرحل بعدها سعود إلى اليونان حتى وافته المنية، أما أبناؤه من بعده فما زالوا حتى يومنا هذا يُعاملون كأمراء من الدرجة الثانية، ولا يتمتعون بنفس النفوذ الذي يعامل به باقي أمراء الخليج، حتى على مستوى الأموال التي يتحصلون عليها فهي أقل بكثير من باقي نظرائهم، ولا يسمح لهم إلا بتولي بعض المناصب الشرفية كرئاسة الأندية والقيام ببعض الأعمال التجارية.

الصراع يعود من جديد بين الإخوة عقب تولي فيصل الملك ظهر على السطح صراع جديد، وهو صراع المناصب القيادية والبحث عن دور سياسي بين أبناء الملك عبد العزيز.

كان من أبرز الصراعات محاولة الجناح السديري السيطرة على السلطة، ويعتبر الجناح السديري هو الأقوى في الأسرة الحاكمة في السعودية؛ نظرا لأنه يتكون من سبعة أشقاء بعكس باقي الإخوة الذين ينتمون إلى أمهات مختلفة، مما منح الجناح السديري القوة باعتباره الفخذ الأقوى في القبيلة إلى يومنا هذا.

لقد حاول السديريون السيطرة على مفاصل الحكم، فبالرغم من احتلال العديد منهم لمناصب هامة، إلا أنهم لم يكتفوا بذلك؛ فعلى سبيل المثال حاول الملك فهد عندما كان وزيرا للداخلية الإطاحة بشقيقه الملك عبد الله عندما كان الأخير رئيسا للحرس الوطني، وذلك بدعم من شقيقه سلطان وزير الدفاع والملك سلمان عندما كان حاكما للرياض، لكن الملك فيصل وولي عهده خالد تفطنوا إلى خطورة مثل هذه الخطوة، فإسقاط عبد الله من الحرس الوطني يعني ببساطة سيطرة الجناح السديري على مفاصل الحكم وربما ينتهي بعزلهم وحصر الحكم في الجناح السديري من العائلة، لأنه من المستحيل أن يقدم أحد الأمراء على أي خطوة انقلابية دون ضمان موقف الحرس الوطني الذي يعتبر قوة موازية للجيش كما ذكرنا في الأجزاء السابقة، سنتحدث بالتفصيل عن صراع الأجنحة في الأسرة الحاكمة في الجزء الأخير من هذا المقال.

اغتيال الملك فيصل:

قبل أن نحكي قصة اغتيال الملك فيصل التي يحيطها الكثير من الغموض والأسرار، يجب علينا أولا أن نذكر بعض التفاصيل المتعلقة بقاتله، فقاتل الملك فيصل هو ابن شقيقه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز.

يبدو الأمر غريبا في البداية ولكن هناك الكثير من التفاصيل التي ستزيد من غرابة قصة الاغتيال، لقد نشأ فيصل بن مساعد في أجواء غريبة، فجده كان طلال بن آل رشيد آخر أمراء آل رشيد الذين دمر ملكهم الملك عبد العزيز آل سعود، قد يتساءل الكثيرون كيف يكون هناك مصاهرة بين الأعداء؟! الجواب ببساطة أن الأمر لم يكن مصاهرة بل كان سبيا، فقد قام الملك عبد العزيز بسبي ابنتي طلال بعد اعتقاله وتزوج من ابنته جواهر وزَوَّج شقيقتها الأخرى وطفاء لابنه مساعد!

فقد ذكرنا في موضع سابق أن الملك عبد العزيز كان له عشرات الزيجات أنجب منها 36 ذكرا و27 أنثى، كان كثير من هذه الزيجات عبيدًا وجوارٍ، ولم تكن زيجات بالمعنى المتعارف عليه الآن، لم ينجب عبد العزيز من جواهر، وقيل أنها هي من قامت بفقأ عينه بعد الزواج بها.

وبالرغم من أن الأمر استتب لآل سعود وانتهى الصراع، إلا أن الخلافات والحقد القديم بين عائلة آل رشيد وآل سعود انعكس بشكل واضح على تربية الأبناء؛ فلقد قام ابن مساعد الأكبر خالد بعمل جنوني، وذلك بقيامه بالتعاون مع مجموعة دينية متشددة بقيادة مظاهرات حاولت السيطرة على مبنى التلفزيون عام 1965م، والذي كانوا يرون فيه خطرًا على الأمة! أرسلت بعد ذلك قوة لاعتقاله، وانتهى الأمر بمقتله رميا بالرصاص في منزله!

أما شقيقه فيصل بن مساعد فلم يكن هو الآخر في وضع نفسي أفضل حالا من شقيقه الأكبر الذي قتل على يد الشرطة، فقد أقدم على عمل أكثر خطورة، وهو قتل الملك فيصل أثناء استقباله لوفد النفط الكويتي أمام الجميع بعدة طلقات أطلقها من المسدس الخاص به على مسافة قريبة من عمه الذي لم يكن يتوقع غدرًا من ابن شقيقه.

هناك الكثير من التحليلات التي تتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء الحادث للتخلص من الملك فيصل بعد موقفه بقطع النفط أثناء حرب أكتوبر، لكن لا يوجد أدلة صريحة تدعم ذلك، وتظل النظرية مجرد فرضية، ربما يتضح صدقها أو كذبها مستقبلا في حالة ظهور المزيد من الوثائق من أرشيف المخابرات.

لكن ما لا يدع مجالا للشك أن هناك الكثير من العورات تحاول السعودية إخفاءها كعادتها عن حادث الاغتيال؛ لأنها تفتح ملفات قديمة مثل سبي آل رشيد وكذلك فضائح الأسرة الحاكمة.

إن نشأة فيصل بن مساعد المضطربة كانت تلعب دورا كبيرا في تصرفاته، كما أن حادث مقتل شقيقه لعب دورًا لا بأس به بأي حال من الأحوال، ولو تتبعنا حياة فيصل لوجدنا أنه درس في الولايات المتحدة لسنوات طويلة، عرف عنه اللهو وإدمان الخمور والمخدرات والترويج لها وبيعها، قامت الولايات المتحدة بالحيلولة دون تسليمه للقضاء مرات عديدة؛ حرصا على العلاقات مع السعودية، وعرف عن فيصل تأييده القوي للقضية الفلسطينية وبأنه كان معاديا للصهيونية.

كان فيصل بن مساعد معارضا أيضا لسياسات آل سعود في الحكم وكان ينادي بنظام أكثر تحررًا، لكن محاولة العائلة الحاكمة تصويره على أنه مختل عقليا هو أمر مضحك، فشهادات جميع معلميه في الولايات المتحدة، وكذلك صديقته الأمريكية، وكل من يعرفونه أكدت أن فيصل بن مساعد كان يتمتع بقدرات عقلية طبيعية تماما، وإلا فلماذا قامت الأسرة الحاكمة بقطع رأسه بسيف مصنوع من الذهب وتعليق جثته أمام العامة ؟! فالمجنون وفق الشريعة الإسلامية مرفوع عنه القلم ولا يقتل؟!

كما أنني أستبعد فرضية الانقلاب لأنه – بكل بساطة – لو كان لفيصل معاونون يسعون للانقلاب على الحكم لتحركوا لتنفيذ مخططهم، ولو أن هناك من خدع فيصل بن مساعد وغرر به لوشى بهم بعد أن خانوه، ولقطعت رقاب كثيرة أيضا، ولكن أيا من ذلك لم يحدث.

أعتقد – من خلال قراءتي لعدد من الصحف العربية والأجنبية والكتب والتحليلات – أن فيصل بن مساعد تأثر أثناء تواجده في الولايات المتحدة بأفكار الماركسيين العرب، وقد سجلت الكثير من التقارير الصحفية أن فيصل كان دائم الانتقاد لسياسات آل سعود وبأنه رفض العلاوة السنوية التي تدفع لأمراء آل سعود والمقدرة بـ15 ألف دولار سنويا، وبأنه ابتعد أيضا عن مرافقة أفراد الأسرة الحاكمة.

ووفقا لبعض التسريبات من التحقيقات التي أجريت عن الحادث يقول المعارض السعودي عبد الرحمن ناصر الشمراني عن فيصل يبدو أن أفعاله وفضائحه في الولايات المتحدة دفعت الملك فيصل لسحب جواز سفره، وإبقائه رغما عنه في الرياض، وكان الملك فيصل دائم الانتقاد له على هذه الأفعال، والعكس أيضا فقد قام فيصل بن مساعد بمهاجمة سياسة عمه الملك فيصل وجها لوجه، واتهمه عدة مرات بأن سياسته هوجاء وبأنها تقود الجميع للهلاك، لكن الملك فيصل لم يُعِرْ لابن شقيقه اهتماما واعتبره طفلًا يهذي، وصادر جواز سفره واتهمه بالفسق والخلاعة.

لكن الأمير الشاب لم يسكت، ورد على الملك بأنه ليس الوحيد الذي يتعاطى الخمور من الأمراء بل وأن هناك من الأمراء من يتاجر بها أيضا بعلم الملك، لكن الملك نفى علمه بحدوث ذلك وطلب من الأمير الشاب أن يذكر له قائمة بالأمراء الذين يفعلون ذلك.

بعد يومين عاد فيصل إلى عمه ومعه قائمة فيها أسماء عدد كبير من الأمراء المعروف عنهم شرب الخمر وحفلات المجون، مما وضع الملك في موقف محرج؛ فهو بالطبع كان يعلم بذلك، لكن وجود أسماء ذات ثقل في القائمة من الأشقاء والأقارب أجبر الملك على اتهام ابن شقيقه بالتشنيع بالأسرة الحاكمة ومحاولة هدم كيانها، ثم طرده بصلافة وهو ما دفع فيصل بن مساعد لفقدان الأمل في أي إصلاح وأقدم على فعلته المجنونة، فكانت النتيجة اقترافه جريمة قتل الملك.

وبغض النظر عن الجريمة التي أرى أنها كانت تحمل قدرًا كبيرًا من طيش الشباب، إلا أن حادث اغتيال فيصل عكس حجم التفكك والفساد والتستر بالدين والصراع على السلطة الذي تعيشه السعودية إلى يومنا هذا.

سنتحدث عن المزيد من التفاصيل في الأجزاء المقبلة؛ فتابعونا.

باسل نوفل

You might also like