أبي أشترى لي ساعة !
إب نيوز ٣٠ مارس
عبدالملك سام
كل أبناء جيلي يعرفون هذا النشيد الظريف الذي كان من ضمن المقرر الدراسي في الإبتدائية ، وجيل اليوم سيظل حائرا عن سبب عدم قدرة (أحمد) على النوم لمجرد حصوله على ساعة ! ولكننا كنا نعلم السبب ، ومازلت أتذكر بإستمتاع كبير إحتفائي الكبير بأول ساعة أحصل عليها من والدي – رحمه الله – كجائزة لتفوقي في دراستي .. ولكن دعونا من حديث الذكريات ولندخل صلب الموضوع ..
في الدول المتقدمة صناعيا يحترمون الوقت ، ويحترمون المواعيد ، ويقدسون الدقة . وهناك ملاحظة لا يمكن أن تفوت كل من سافر لإحدى هذه الدول وعاشر القوم هناك ، وهذه الملاحظة أنهم رغم إنشغالهم وكثرة مواعيدهم فإنهم هادئون جدا ! فهم – بعكسنا – يحبون النظام ويكرهون الفوضى ، ويقفون في الطوابير بهدوء مهما كانت طويلة دون تململ أو محاولة الإحتيال على الآخرين ؛ فهم يحسبون الوقت الذي يمكن أن يقفوا فيه في أي طابور ويأتون مبكرا ، بينما نحن للأسف لابد أن نأتي متأخرين ، ولا يمكن أن ترى عندنا صفا أحاديا إلا في حالة واحدة وهي لو كان هذا في أحد كوابيسنا المزعجة !
أنا أتحدث هنا عن بلدان صناعية وتجارية ، بمعنى أن كل واحد منهم لديه ألف سبب وسبب ليكون مستعجلا . بينما نحن للأسف نملك وقتا طوووويلا جدا من الفراغ ، ورغم هذا نصر على تضييع هذا الوقت أكثر في مشادات بسبب عدم إنتظام أي صف ! ودعوني أبالغ في رأيي لأتهم الجميع بأنهم بهذا العمل يخالفون الدين والأخلاق والإنسانية !! فأنا أعتقد أن هذا التصرف وحده يعتبر نوعا من أنواع الفساد ؛ فهذه الفوضى تضر بمبدأ المساواة ، فللجميع الحق بأن يصلوا أولا ، كما أن هذا التصرف يشجع العاملين الفاسدين في تلك الأماكن لإستغلال الفوضى وعرض (خدماتهم) على الناس الواقفين في الطابور ، أليس هذا فسادا ؟!
في الدول التي تحترم الوقت ترى ملايين السيارات وهي تسير بسلاسة دون أن تسمع تنبيها واحدا ، بينما نحن فيكفي أن تتواجد ثلاث سيارات في شارع واحد فتسبب ازدحاما وازعاجا ، وفي كثير من الأوقات تحدث مشادات لا داع لها ، فتؤدي للتباغض والسب والشجار أحيانا وكلها معاصي ، ألم اقلكم أننا فاسدون !!
وعلى ذكر الشوارع .. في الدول (تلك) التي تحترم الوقت يوجد لديهم شوارع عريضة لتستوعب عدد أكبر من السيارات ، وتخيلوا .. لا يوجد عندهم من يأخذ قطعة أرض اضافية أمام أرضه ليوسع من ممتلكاته على حساب الطريق العامة !! بل أن هناك – وتخيلوا سذاجتهم – في تلك الدول (المتخلفة) من يتبرع بقطعة أرض من أملاكه للصالح العام ، وهذا يعود عليه بالفائدة أيضا ؛ فعندما تتحسن المرافق العامة التي بقرب أرضه فإن ذلك يؤدي لإرتفاع سعر الأرض التي يمتلكها ، وأحيانا أضعافا مضاعفة عما كانت عليه ! بينما نحن اليوم لم نعد نجد أرضا لندفن موتانا فيها !!
لن نتقدم قيد أنمله حتى نتعلم أحترام أنفسنا ووقتنا ، وعندما أقول (أنفسنا) فأنا أعني أن نكف عن توريث الفوضى للأجيال القادمة عندما نمثل بالنسبة لهم قدوة سيئة ، فمن المؤلم أن نرى البعض يعلم إبنه أو بنته كيف يتلاعب على النظام بإعتبار أن هذه التصرفات نوعا من الرجولة والشطارة ، في حين أن هذا (الشاطر) لا يكف عن التناقض مع نفسه عندما يمتدح تلك الدول ويشيد بتقدمها وتطورها ونظامها أمام أطفاله (الشطار) !
حدثني أحدهم عن صديقه أنه كان مسافرا في دولة أسيوية ورأى ولدا صغيرا في حضن والده ، ومن باب التلطف قام بإعطاء الولد الصغير قطعة حلوى صغيرة ، وعندما لاحظ والد الطفل ما حدث ما كان منه إلا أن وضع طفله الصغير أمام هذا الرجل وأمره أن ينحني شكرا له ، وعندما لم يفهم الطفل ما يقصده والده قام الأب بالإمساك برأس الطفل ليجبره على الإنحناء ، ثم شكر الرجل وأحتضن الصغير وتابع طريقه . طبعا أنا لا أقصد أن نجبر أطفالنا على الإنحناء حتى لا يتهمني أحد بأني أريد أن يركعوا لغير الله ! أنا أتحدث هنا عن القدوة الحسنة ، وأيضا ما تعلمناه من أهلنا “أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله” .
لذلك نرى منتجات هذه الدول تغزو أسواقنا ، بينما نحن نعاني من الضوضاء والفوضوية والمحسوبية والفساد والفقر ! هؤلاء تعلموا أن يحترموا أعمالهم ، وأن يحترموا أوقاتهم ، وأن يحترموا أنفسهم عندما يعلمون أبناءهم الأحترام ، ولو كانوا يعرفون ديننا لعرفوا أن لهذا ثمن ولو بعد وفاتهم ، فعندما نرى نحن صغيرا أو كبيرا على قدر عالي من الأخلاق فإننا سنقول بالتأكيد : “رحم الله من رباك” ، وهذا معنى آخر لحديث الرسول (ص) : “وولد صالح يدعو له” .. ودمتم بود .