عبدالباري عطوان : مُعادلة السيّد نصر الله اللبنانيّة الجديدة: “الغاز مُقابل الأمن”..
Share
إب نيوز ١٠ مايو
عبدالباري عطوان : مُعادلة السيّد نصر الله اللبنانيّة الجديدة: “الغاز مُقابل الأمن”.. فهل سيُؤدّي تجويع اللبنانيين وإفلاس دولتهم إلى انتِقال المُواجهة إلى مِياه شرق المتوسّط ومنصّات استِخراج الغاز والنفط تحديدًا؟ وما هي العوامل المُرجّحة لهذا الاحتِمال؟
خِطابات السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” تتّسم دائمًا بالأهميّة لما يَرِدُ فيها من مواقف ومعلومات ترسم خريطة طريق للأحداث ليس في لبنان فقط، وإنما في منطقة الشّرق الأوسط برمّتها، ولكنّ خِطابه الأخير الذي ألقاه أمس الاثنين كان مُختلفًا، ليس على صعيد الانتخابات البرلمانيّة القادمة، والوشيكة، وإنما أيضًا على صعيد القضيّة اللبنانيّة الأهم وهي الإجهاض الإسرائيلي الأمريكي لكُل المطالب اللبنانيّة باستِخراج النفط والغاز في المِياه الإقليميّة، وربط هذه المُطالبة بشُروط نزع سِلاح المُقاومة الإسلاميّة بقِيادة “حزب الله”، وتوظيف الانتِخابات القادمة في هذا المُخطّط.
لبنان الذي بات مُعظم مُواطنيه محرومين من الكهرباء ولأيّامٍ مُتواصلة، ويُعاني من أزماتٍ في الوقود، وديون تزيد عن أكثر من مِئة مِليار دولار، وعُملة وطنيّة فقدت أكثر من 95 بالمِئة من قيمتها، وغلاء معيشة غير مسبوق، وباتت الغالبيّة السّاحقة من شعبه تُواجه الجُوع فعليًّا ولا تجد لقمة عيش لأطفالها، هذا اللّبنان يعوم فوق مِئات المِليارات من الدّولارات من النفط والغاز، ولكن حُكوماته الفاسدة الضّعيفة ترضَخ بشَكلٍ مُعيب للضّغوط الأمريكيّة الإسرائيليّة التي تَرهِن استِخراج هذه الثّروات بالتّطبيع والاعتِراف بدولة الاحتِلال، وتوطين اللاجئين، والأهم من ذلك إشعال فتيل الحرب الأهليّة الدمويّة كخطوة رئيسيّة على طريق نزع سِلاح المُقاومة، فالتّغيير الذي يُطالب به البعض يعني تنفيذ هذه المطالب وتجريد البِلاد من كُل أسباب القوّة والكرامة.
***
السيّد حسن نصر الله الذي كشف في خِطابه في يوم القدس العالمي عن مُعادلة “الأمن والاحتِلال”، أضاف إليها مُعادلةً أُخرى لبنانيّة “مُكمّلة” وهي مُعادلة “الأمن والغاز” وهُما مُعادلتان قد تكونان عُنوان المرحلة المُقبلة، فالمُعادلة الأولى تجسّدت في باحات القدس وباقي المُدن الفِلسطينيّة المُحتلّة من خِلال سلسلة من العمليّات الفدائيّة التي استهدفت المُستوطنين بالفُؤوس والسّكاكين والبنادق الآليّة، وأسقطت هذه المُعادلة، وأكّدت أن المُستوطنين اليهود لا يُمكن أن ينعموا بالأمن في ظِل الاحتِلال، والثّانية قد تسير على الطّريق نفسه، ولكن بالصّواريخ وليس بالسّكاكين والفُؤوس.
السيّد نصر الله طرح سُؤالًا منطقيًّا في خِطاب الأمس عندما تساءل “لبنان اليوم أشدّ عوزًا لاستِخراج ثرواته من مِياهه التي تُقدّر بمِئات المِليارات ولماذا لا نستخرج ثرواتنا من مِياهنا خاصّة في ظِل الحرب الأوكرانيّة والحاجة العالميّة للنفط والغاز”؟
الإجابة على هذا السّؤال، وما تفرّع عنه جاءت بتهديدٍ واضح وصريح للإسرائيليين “إذا منعتم لبنان من التّنقيب عن الطّاقة سنمنعكم من استخراج نفطكم وغازكم، ولن تبقى شركة واحدة في شرق البحر المتوسّط تستخرج لكم هذه الثّروات”.
المُقاومة الإسلاميّة في لبنان قادرة على تنفيذ هذا التّهديد بسُهولةٍ، ويكفي إطلاق “رشقة” صواريخ على منصّات الغاز والنفط الإسرائيليّة في المِياه الفِلسطينيّة المحتلّة، لكيّ تنهار هذه المنصّات، ويهرب العاملون فيها طلبًا للسّلامة ومعهم الشّركات ورؤوس الأموال المُستَثمرة فيها، فرأس المال جبان، و”حزب الله” حسب التّقارير الإسرائيليّة الرسميّة يملك أكثر من 150 ألف صاروخ دقيق ومِئات المُسيّرات المُتطوّرة، ولا نعتقد أن هذه التّرسانة للعرض فقط، وليس للاستِخدام.
سِلاح المُقاومة هو الورقة الأقوى في أيدي لبنان لاستخراج ثرواته النفطيّة والغازيّة، وإجبار “إسرائيل” على الاعتراف بحُقوقه التي يكفلها القانون الدولي، خاصَّةً أن الذين تفاوضوا لأشهر مع نُظرائهم الإسرائيليين في عدّة جولات برعاية المُراقبين الدوليين لم يُحقّقوا أيّ نجاح بسبب الشّروط الابتزازيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة التي تُركّز على نزع سِلاح المُقاومة لإذلال لبنان وتركيعه، وتجريده من أسباب القوّة مُقابل حُصوله على فُتات الفُتات في نهاية المطاف، ورفع رايات التبعيّة البيضاء لتل أبيب وواشنطن.
لبنان قَويٌّ بالمُقاومة التي حرّرت أراضيه وحقّقت مُعادلة الرّدع التي منعت الاسرائيليين من التقدّم مترًا واحدًا في الأراضي اللبنانيّة، وهزمت الجيش الذي لا يُقهَر في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006، وهُناك من اللبنانيين من يُطالب بنزع سِلاح المُقاومة، والتّضحية بكُل هذه الإنجازات السياديّة المُشرّفة، استِجداءً للرّضا الأمريكي الإسرائيلي المُزدوج، وفي الزّمن الخطأ، فأمريكا تتورّط في حرب في أوكرانيا لن تخرج منها إلا مهزومة مُثخنة الجِراح، أما “إسرائيل” فكُل التوقّعات، وأبرزها جاء على لسان الجِنرال إيهود باراك، رئيس الوزراء المهزوم في حرب التحرير في الجنوب، تؤكّد أنها قد لا تكمل العقد الثامن من عُمرها في ظِل إحكام “المُقاومات” العربيّة والاسلاميّة وصواريخها ومُسيّراتها الخِناق عليها من كُل الجهات، وتعاظم حالة الانهيار الدّاخلي التي تعيشها حاليًّا.
***
سِلاح المُقاومة سيبقى، ولن ينجح المُتآمرون في نزعه حتى لو وقفت أمريكا وإسرائيل وحُلفاؤهما العرب خلفهم، وستفوز كُتلته في الانتِخابات البرلمانيّة الوشيكة، وسيفرض هذا السّلاح إرادته في استِخراج الغاز والنفط في عُمُق المِياه الإقليميّة اللبنانيّة، ويُعيد لبنان إلى زمن الاستِقرار والسّيادة والرفاهيّة والكرامة الوطنيّة.
نختم بالقول: لماذا تُوكِل إسرائيل وأمريكا مُهمّة نزع سِلاح المُقاومة إلى بعض اللبنانيين، وخلق فتنة دمويّة في أوساطهم، ولماذا لا تقومان بهذه المُهمّة وهُما الأقوى مثلما يدّعون إذا كانوا حريصين فِعلًا على لبنان؟
الجواب، بكُل بساطة، أنهم جرّبوا في السّابق عدّة مرّات وخرجوا مهزومين من لبنان، وبقي سِلاح المُقاومة وازداد قُوّةً وصلابةً وتطوّرًا، وصدق السيّد نصر الله عندما قال “فشَروا”.