وداعاً شيرين أبو عاقلة
إب نيوز ١٤ مايو
في فلسطين إن لم يكن اسمُكَ يُخبرُ عن دينِك فلن يعرفه أحدٌ إلى أن تموت! تماماً كما حصل لي بعد وفاة الحُرَّة شيرين أبو عاقلة، كنتُ أحسبها مسلمة، ولم أنتبه إلا من التعليقات على منشوري، فلسطين لا تعرفُ الطائفيّة أبداً، خرجَ نعشُ شيرين اليوم من الكنيسة، وهتفَ مُشيِّعوها الله أكبر!
لعلَّ يد الجلاد وحدتنا فجعلتنا إخوةً في السوط، والقهر، فعشنا لكل منا دينه، وتعايشنا!
قضيّة الترحم على من مات على غير الإسلام من بديهيات العقيدة، وألف باء الولاء والبراء، لا ينتطحُ فيها عنزان، أنها لا تجوز، بغض النظر عن هوية المُتوفّى، ولو دافعَ أحدٌ عن الحق فلن يفعل مقدار ما فعلَ أبو طالبٍ، وموقف الإسلام في الحياة موقف مبدأ وعقيدة لا موقف أشخاص!
فإن كان التَّرحمُ لا يجوز اتفاقاً، فإن الوقوف لشيرين احتراماً واجب!
مرَّتْ جنازة والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جالس، فقامَ لها.
فقيل له: هذه جنازة يهوديّ يا رسول الله!
فقال : أليستْ نَفْساً؟!
وقفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لنفسٍ مجهولة
أما شيرين فمعروفة
إنها البطلة التي لا يجهلها أحد!
نقفُ احتراماً لشيرين التي دافعت عن الحق أعواماً!
نقفُ احتراماً لشيرين التي عرَّتْ هذا الاحتلال المتوحش!
نقفُ احتراماً لشيرين التي نقلتْ معاناة المكلومين، وأنين الجرحى، وصرخات الثكالى!
نقفُ احتراماً لشيرين التي كانت تدافعُ عن الأقصى، وحق المسلمين في أن يصلوا فيه!
نقفُ احتراماً، لدمها الذي روى أرضاً أحبتها، وعشقتها حتى الموت!
كل من تناول القضية على أنها قضية جنة أو نار فقط، دون التطرق إلى المشهد كله، فما أنصفَ ولا عدلَ، ولم يبرَّ ولم يُقسِط، في شخص ناصرنا في ديننا وإن لم يعتنقه، وثبتَ في ديارنا حين غادرناه نحن!
شيرين ليست النمرود ولا فرعون، ولا حُيي بن أخطب!
ولا تُقاس على هذه النماذج أبداً لتسارعوا في التبرؤ منها
شيرين وأمثالها يُقاسون على النجاشي قبل أن يُسلم، إنه الملكُ الذي لا يُظلم عنده أحد!
قبل البراء من شيرين كان يجب البراء من الاحتلال، وجريمته النكراء
ولكن للأسف البعض لم يكتفوا أن تُقتل شيرين مرة واحدة، فقتلوها مرتين!
نعم لا يجوز الترحم على غير المسلم
ونعم إن العقيدة أولاً
ونعم إن الولاء والبراء دين
ولكنه دين متكامل
كثيرون ممن اشتغل ولاؤهم وبراؤهم في دم شيرين دسوا رؤوسهم كالنعام في التراب ودولهم تُطبع مع هذا الاحتلال!
وكثيرون ممن انتفخت أوداجهم حول مصير شيرين، لم يجرؤوا أن يقولوا كلمة حق في الحرب الأخيرة على غزة
هذا وبعضهم كان يطعن المقاومة في ظهرها، بخنجر الولاء والبراء أيضاً!
وكثيرون ممن أنكر العزاء فيها مطلقاً، رغم أنه جائز بلا خلاف، يترحمون على الحكام حين يموتون، ولا أحد منهم يحكم بشرع الله، وقد غصت سجونهم بأهل التوحيد، وحاربوا الله في كل ساح، ولكنه الولاء والبراء “الستريتش” الفضفاض، الذي يجعلك تتعامل مع شرين النصرانية كأنها كانت تحمل سيفاً مع قريش ضد المسلمين في بدر، وتترحم على الظالم الذي لم يُحكّم شرعاً، ولم يُقِم حداً، بل ولم تجرؤ على أن تقول له يا أعور في عينه وهو على قيد الحياة!
إن هذا أفضل الجهاد، وهذه هي أفضل الشهادة
ولكنها لا تُفعل لأنها عسيرة ومكلفة
أما الاسترجال على شيرين فميسور، وسهل، ولا فاتورة له!
على المقلب الآخر، كان الطرف الأحمق الذي تابع الترحم نكايةً بالذي أنكر الترحم دون أن يُنصف شيرين وتاريخها!
هذا لا يمكن تصنيفه إلا في باب العبط
أما أنت يا شيرين، فإننا سنفتقدكِ دوماً
سنفتقدُ صوتكِ المقدسي الشامخ
سنفتقدُكِ في كل حرب وأنتِ تكشفين الوجه القبيح لهذا المحتل
سنفتقدكِ في كل اقتحامٍ وأنت تنقلين بطولة شعبكِ
لن تنقلي لنا خبراً عاجلاً بعد اليوم، كان آخر عهدنا بكِ أنكِ كنتِ الخبر العاجل نفسه!
ولن يكون لكِ مداخلة في النشرة بعد اليوم، كنتِ على مدى أيام النشرة كلها!
ومن المؤكد أنكِ لن تقولي بعد اليوم : التغطية مستمرة! الآن تنامين أنتِ وفلسطين كلها تُغطيكِ
شيرين أبو عاقلة، وداعاً !
أدهم شرقاوي