تطبيعُ السعوديّة مع “إسرائيل”.. ما من علنيّة أكثرَ من ذلك!
إب نيوز ١٦ مايو | تقرير*:
من جديد، تؤكّد مملكة آل سعود ممثلة بنظامها الحاكم وولي عهدها محمد بن سلمان، حجم خيانتها ومدى عمالتها ضد فلسطين والوطن العربيّ والإسلاميّ، والدليل على ذلك احتفاء “إسرائيل” بأول مشاركة رسمية لمندوبها الصهيوني في “قمة الأديان” التي تستضيفها العاصمة الرياض، بمشاركة رجال دين من دول كثيرة، عقب مساع حثيثة من ولي العهد السعوديّ إلى تكثيف التعاون مع الكيان الصهيونيّ الغاصب في مجال تقنيات التجسس، والتعاون في مجال الأمن والتقنيات، قطعت وسائل الإعلام السعوديّة لسانها لتجنب الحديث عن هذا الموضوع لغياب أيّ مبرر سياسيّ أو أخلاقيّ أو دينيّ حتى لحضور الحاخام الصهيوني دافيد روزن، الشيء الذي سيخفض من جديد أسهم المملكة الهابطة في الشارع العربيّ والإسلاميّ.
خيانة عظيمة
عادت قضية الخيانة العظيمة للعائلة المالكة في بلاد الحرمين إلى الواجهة مجدداً، من خلال الملتقى الذي قاده قادة الأديان حول العالم من المسلمين واليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين وغيرهم، بمشاركة قيادات فكرية من دول عدة، وإنّ المشاركة الإسرائيلية التي حدثت رغم عدم تطبيع الرياض لعلاقاتها رسميًا على غرار دول كالإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أثارت استغراباً واسعاً وتحليلات كثيرة تتعلق بملف التطبيع السعوديّ – الإسرائيليّ.
وإنّ توقيت هذه الزيارة الغريبة من نوعها بالنسبة للشارع العربيّ على وجه التحديد، جاء عقب استضافة السعودية رجال دين يهود بأكثر من مناسبة، إضافة إلى مشاركة سعوديين في ملتقيات يهودية بالخارج، مع وجود معلومات تؤكّد أنّ اجتماعات عدّة بين مسؤولين صهاينة وسعوديين حدثت مراراً وتكراراً سواء في بلاد الحرمين أو خارجها، وقد أبدى مسؤولون سعوديون بارزون في فترات مختلفة استعداد الرياض لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، إذا اعترف الكيان الصهيونيّ بتأسيس الدولة الفلسطينيّة وإنهاء الاحتلال، متناسيين الادعاءات التي أطلقتها الدول التي أُدخلت حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع “إسرائيل” بعد التطبيع والتي لم تفرز عن إيقاف ضم الأراضي الفلسطينيّة ولا عن قتل الأبرياء ولا استهداف الصحفيين، ما يعني أنّ لغة الوعود لا تنفع بالسياسة.
وإنّ الانفتاح على رجال الدين الصهاينة لم يكن الأول من نوعه حيث استضاف الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الحاخام روزن بقصره الملكي في الرياض في فبراير 2020، ما اعتبر وقتها بأنه دليلا على رغبة المملكة دخول عملية التطبيع مع “إسرائيل”، لكن محللين آخرين ومنذ توقيع اتفاقات العار بين الإمارات والبحرين، تحدثوا في الكثير من التقارير الإعلاميّة العربيّة والدوليّة عن العلاقات السعوديّة – الصهيونيّة، وإمكانية دخول الرياض إلى حظيرة التطبيع مع العدو الغاصب، وخاصة بعد أن انقلبت سياسة وسائل الإعلام السعوديّة التي كانت تصف كيان الاحتلال في السابق، بالـ “العدو الصهيونيّ” أو “الاحتلال الإسرائيليّ” أو “كيان الاحتلال”، وأصبحت في الفترة الأخيرة تشيد بشكل جليّ، باتفاقات الخيانة التي أبرمتها بعض الدول الخليجيّة والعربية مع عدو الأحرار والأمّتين العربيّة والإسلامية.
وفي الفترة الماضية، تحدث رئيس الكيان الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ لصحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية عن أمنيته بزيارة قريبة وعلنية إلى السعودية، مؤكدة أنه سيكون سعيدا بذلك، وأضاف: “يحتاج السعوديون للانضمام إلى عائلة التطبيع، وذلك ليس متعلقًا بإسرائيل حصرًا، وإنما بعوامل داخلها وبعلاقاتها الأمريكية”، حيث تقترب السعوديّة يوماً بعد آخر من فخ التطبيع العلنيّ، بعد كثير من المعلومات التي كشفها مسؤولون صهاينة حول أنّ إعلان التطبيع السعوديّ مع الكيان الغاصب بات وشيكاً وكشفت المملكة في الأشهر الماضية عبر وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، أنّ التطبيع مع تل أبيب “سيحدث بالفعل”.
مسار جديد
“العلاقات الإسرائيلية السعودية ستتأثر بعملية نقل السلطة من الملك سلمان عبد العزيز لابنه محمد”،هذا ما قاله السفير الإسرائيلي السابق بالأمم المتحدة دوري جولد، وأوضح لصحيفة “New York Sun” الأمريكية أن محمد بن سلمان أكثر تصميمًا من والده بوضع المملكة على مسار جديد بالعلاقة مع الصهاينة، وأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت للبحرين تؤكّد أن الهدف النهائي لاتفاقيات التطبيع سيفتح باب تطبيع مملكة آل سعود، عقب تصريحات كثيرة من السعوديّة أشارت فيها إلى أنّه لا يمكن تحقيق سلام واستقرار دائمين في الشرق الأوسط إلا باتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين، وإلا فلن يلتئم جرح هذه المنطقة وفق زعمها، لكن مسؤولي المملكة تناسوا أنّ اتفاقات الخيانة التي توقع معهم، هي التي ستعمق الجراح في المنطقة، وتنشر سرطان الاحتلال فيها وتودي بها إلى الهاوية.
وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير إعلاميّة دوليّة إلى أنّ ابن سلمان يقترب كثيرًا من خطوة إعلان التطبيع العلني مع “إسرائيل”، على خطى حلفائه في الإمارات والبحرين، فإنّ مملكة آل سعود، حاولت منذ أكثر من عام شرعنة جريمة التطبيع من خلال رجال دينها الوهابيين بما أنّ تطبيع العلاقات بين بعض الدول الإسلاميّة والعدو الغاصب يحتاج إلى فتوى شرعيّة، حيث أشار مفتي السعودية السابق – وعضو هيئة كبار العلماء في البلاد، عبد العزيز بن باز، إلى شرعية تكوين علاقات مع الصهاينة، مبرراً ذلك بأنّ كل دولة تنظر في مصلحتها وإذا ما رأت دولة ما ممثلة في حاكمها، أنّ مصلحة المسلمين في الصلح مع الصهاينة وتبادل السفراء والتعاون التجاريّ والمعاملات الأخرى التي يجيزها الشرع، فلا بأس في ذلك.
إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ القادة السياسيين في السعودية هم اليد الطولى في البلاد، إلا أنهم بحاجة إلى الفتاوى الوهابيّة لخلق الشرعيّة لأفعالهم الإجراميّة، في الوقت الذي تفرض فيه السعودية – بدعم من المؤسسة الدينيّة الوهابيّة – “طاعة ولي الأمر” بشكل مطلق وتجرم “الخارجين عن الطاعة” وقد تصل عقوبتهم إلى الإعدام، حيث أوجدوا أرضية مشتركة واضحة بين السياسة من جهة، والتطبيع القائم على الفتاوى الوهابية الدينيّة من جهة أخرى.
أيضاً، إنّ زيارة بينيت للبحرين والتي اعتبرت دليلاً على المنافسة الدبلوماسيّة بين المنامة وأبو ظبي، فهمت كذلك على أنّها دليل على وجود تقدم محتمل في علاقة الرياض مع تل أبيب، وخاصة أنّ البحرين مرتبط بشكل وثيق بالسعودية وجزء لا يتجزأ من اقتصادها، ما يدل على أنّ الرياض سمحت وشجعت تقاربها مع الصهاينة، بل سمحت خلال زيارة بينت للمنامة بمرور طائرته بأجواء البلاد ما زاد التكهنات بأنّ إعلان العلاقات السعودية – الإسرائيلية الرسمية بات وشيكاً للغاية.
تطبيع حتميّ
كان الموقف السعوديّ الرسميّ واضحاً تجاه موجة الخيانة الخليجيّة التي لم تبدأ بالتأكيد دون موافقة الرياض، فمنذ تصريحات رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق، بندر بن سلطان، قبل أسابيع، وهجومه الحاد على موقف القيادات الفلسطينيّة من اتفاق الاستسلام الخليجيّ، واعتباره أنّ القضيّة الفلسطينيّة قضية عادلة لكن المدافعين عنا “فاشلون”، وأنّ القيادة الفلسطينيّة تدفع ثمن مراهنتها على الطرف الخاسر، حيث كثرت التنبؤات باقتراب دخول الرياض إلى حظيرة واشنطن للتطبيع، مستندين على استجابة الرياض لطلب الإمارات بالسماح للرحلات القادمة من الأراضي المحتلة الواقعة تحت سلطة العدو الصهيونيّ بعبور أجوائها.
وعزز الاجتماع السريّ بين ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، ووفد إسرائيليّ على متن يخته في البحر الأحمر العام الفائت، بمرافقة رئيس الاستخبارات السعوديّة، تلك التنبؤات رغم تأكيدات الرياض المتكررة بأنّها لن تتبع نهج البحرين والإمارات في التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، من دون حل للقضيّة الفلسطينيّة.
وعلى هذا الأساس، صحت تصريحات الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، الذي أشار في أوقات مختلفة، إلى أنّ السعودية موافقة على إبرام اتفاق مماثل للاتفاق الموقع بين تل أبيب و أبوظبي والمنامة، وسيكون بمثابة أكبر خيانة للقضيّة الفلسطينيّة.
وبالتالي، بات إعلان الخيانة السعوديّة “المُشرعن وهابيّاً” قاب قوسين أو أدنى، لأنّ المسؤولين السعوديين (باعترافهم) يرغبون في التطبيع مع العدو الصهيونيّ، لكنهم ينتظرون الوقت المناسب لكي يحددوا جدولاً زمنيّاً لخيانتهم، حيث إنّ الرياض لا تريد الاستعجال في إعلان ورقة التطبيع، حيث إن ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، متردد في المسارعة بالتطبيع مع “إسرائيل” بسبب خوفه من النتائج الخطيرة لذلك.
وإن مخاوف ابن سلمان وفقا لمتابعين سعوديين نابعة من داخل القصر، وليس من أبناء شعبه أو دول مجاورة، حيث إن تاريخ العائلة الحاكمة في السعودية حافل بصراعات تؤججها اعتداءات على مساحات النفوذ والتقاليد المتوارثة، والقضية الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام مطروحة على طاولة الخلافات الداخلية بين أفراد العائلة المالكة، لكن ابن سلمان أجج بأفعاله الصبيانية الغضب ضده داخل القصر، وكل شيء في صالح الاحتلال وداعميه.
موقف واضح
جليّ وواضح، هو الموقف السعوديّ تجاه التطبيع والقضيّة الفلسطينيّة، حيث كان الموقف السعوديّ الرسميّ ثابتا تجاه موجة الخيانة الخليجيّة التي لم تبدأ بالتأكيد دون موافقة آل سعود، فمنذ تصريحات رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق، بندر بن سلطان، قبل عام تقريباً، وهجومه الحاد على موقف القيادات الفلسطينيّة من اتفاق الاستسلام الخليجيّ، واعتباره أنّ القضيّة الفلسطينيّة قضية عادلة لكن المدافعين عنا “فاشلون”، وأنّ القيادة الفلسطينيّة تدفع ثمن مراهنتها على الطرف الخاسر، كثرت التنبؤات باقتراب دخول المملكة إلى حظيرة واشنطن للتطبيع، مستندة في ذلك الحين على استجابة الرياض لطلب أبو ظبي بالسماح للرحلات القادمة من الأراضي المحتلة الواقعة تحت سلطة العدو الصهيونيّ بعبور أجوائها.
بعدها بأشهر، ناقض وزير الخارجية السعوديّ، فيصل بن فرحان نفسه، عقب محاولة التنصل من الحديث عن ملف التطبيع السعوديّ مع تل أبيب، رغم أنّه تحدث في وقت سابق أنّ التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الباغي “سيحدث بالفعل”، واليوم يؤكّد المعلمي أنّ بلاده جاهزة لتطبيع العلاقات مع الصهاينة إذا طبقت عناصر ما تُسمى “مبادرة السلام السعودية” التي قدمتها عام 2002، والتي تدعو لإنهاء احتلال كل الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقيّة ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير.
وفي الوقت الذي تشير فيه السعودية حسب مسؤوليها إلى أنّ التطبيع لا يمكن أن ينجح في المنطقة إلا إذا عولجت قضية الفلسطينيين وتمكن شعبها من إقامة دولة فلسطينيّة على حدود عام 1967، تتناسى الرياض أنّ قضية فلسطين هي قضيّة العرب جميعاً وأنّها حجر الزاوية في نهضتهم أو تخلّفهم حسب دعمهم ومساندتهم للفلسطينيين ومقاومتهم، وهذا هو الشيء الوحيد الذي سيمنح الفلسطينيين الكرامة في أرضهم ويعيد لهم حقوقهم المسلوبة من العصابات الصهيونيّة.
وفي أسلوب فاشل ورخيص لتبرير الخيانة، تزعم الرياض أنّه بمجرد تطبيق شروطها سيقوم العالم الإسلاميّ بأكمله، أي الـ57 دولة الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلاميّ، سيتبعوننا في طريقها التطبيعيّ مع عدو العرب والمسلمين الأول، حيث إنّ حكام السعودية لم يتعلموا من فشل الإمارات والبحرين في تبرير تحالفها مع العدو الصهيونيّ بذرائع واهية، والترويج بشكل فاشل لاختلاق إيجابيات لفعلتهما النكراء، وخاصة مع وجود رفض شعبيّ عارم داخل بلدانهم لتلك المسألة.
وما يؤكّد بالدليل القاطع كذب التصريحات السعودية وعلى مختلف المستويات، قيامهم أكثر من مرة بتكرار المزاعم الإماراتيّة والبحرينيّة حول أنّ التطبيع سيكون ثمناً لوقف مشاريع ضم الأراضي الفلسطينيّة وهذا لم يحدث، إضافة إلى المساعدة في تمهيد الطريق للعودة المحتملة للإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وهذا لن يحدث بسبب التعنت الصهيونيّ.
وإنّ ما يُطلق عليها “مبادرة السلام العربيّة”، هي مقترح اعتمدته “جامعة الدول العربية” عام 2002 في قمتها التي عقدتها في بيروت، تنص على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقيّة، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجرهم العدو من بلادهم، وانسحاب الكيان الصهيونيّ المجرم من هضبة الجولان السوريّة المحتلة والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بـ “إسرائيل”، وتطبيع العلاقات معها.
في النهاية، بات التطبيع السعوديّ الإسرائيليّ علنيّاً، وخاصة في الأشهر الأخيرة التي أظهرت بوضوح “معدن السعودية” فيما يخص القضية الفلسطينيّة منذ أن شرعت دولة الإمارات والبحرين أبواب الخيانة في العالم العربيّ وحتى قيام كل من المغرب والسودان بتوقيع اتفاقيتين لتطبيع علاقاتهما مع العدو الإرهابيّ، لينضموا جميعاً إلى مصر التي كانت أول دولة عربية تطبع مع الكيان الغاشم عام 1979، وتبعها في ذلك الأردن بتوقيع اتفاقية “وادي عربة” عام 1994، لكن السعودية ذات النفوذ الاقتصاديّ والدينيّ لن تجن ثمار خيانتها، وإنّ التنازلات التي يقدمها حكام الدول الخليجية وعلى رأسهم الانقلابيّ محمد بن سلمان، للحصول على مزايا الخيانة من الناحية العسكريّة والإعلاميّة والسياسيّة، لن تجلب لهم سوى “النهاية الحتميّة”، فالدول الخليجيّة وعلى رأسها السعودية “جلبت الدببة إلى كرمها” والأيام القادمة ستشهد.
* الوقت