حتى لا يكرر التاريخ نفسه!

 

إب نيوز ١٣ يونيو

عبدالملك سام

هناك مقولة معروفة مفادها أن التاريخ يعيد نفسه، وأيضا لعل أهم فائدة تأتينا من دراسة التاريخ هي الدروس والعبر.. لماذا أحدثك بهذا يا عزيزي في حين أني متأكد أنك تعي هذا مسبقا؟! دعني إذا أحكي لك قصة حدثت في الماضي القريب، وأنا متأكد تماما أنك ستدرك لماذا أضعت وقتك الثمين بهذه المقدمة المبتذلة، ومتأكد أيضا أنك ستندهش مثلي من مدى تشابه أحداث التاريخ، فلنبدأ إذن…

القصة حدثت في نيكاراجوا في أواخر سبعينات القرن الماضي، ونيكاراجوا بلد يقع في أمريكا الوسطى والذي تعتبرها الولايات المتحدة من ضمن (حديقتها الخلفية)، وكما هو متوقع فهذا البلد غني بالثروات، ولكنه بلد فقير ينهش الفساد جسده المريض، ويحكمه طاغية يدعى (سوموزا) الذي يسهل إمتصاص ثروات هذا البلد لمصلحة واشنطن مقابل بقاءه في السلطة وجزء يسير مما يتم نهبه.. طبعا أنت بدأت تلاحظ التشابه الذي أعنيه، ولكن أرجو منك ألا تتعجل الحكم، فالقادم أهم!

ذراع الزعيم (سوموزا) العسكري يدعى الحرس الجم… – معذرة – الوطني، وهي قوة عسكرية تم تدريبها على أيدي الأمريكيين، وبفضل هذه القوة القمعية تمكن سوموزا من السيطرة على البلد وقمع أي معارضة، حتى أتت جماعة (الساندينستا) الوطنية التي بدأت تؤدي عملا إجتماعيا جبارا لخدمة الشعب، وفضحت ممارسات (سوموزا )الإستبدادية، وحاولت أن تستميل الطبقة الحاكمة للتخلص من نفوذ الولايات المتحدة ولينعم الشعب بخيرات بلده، ولكن (سوموزا) – وبإيعاز من واشنطن – قام بشن حرب ضروس ضد (الساندينستا)، وأرتكب الحرس الوطني (الذراع الأمريكية) المجازر بحق الحركة، وقام افراد هذا التنظيم بسحل الناس بشكل بشع، وبغطاء سياسي وإعلامي من واشنطن!

وصلت الأمور لأن تتحول حركة (الساندينستا) إلى الكفاح المسلح لحماية الشعب، واشدت المعارك حتى تم تحرير نيكاراجوا من تسلط الطاغية (سوموزا) وفراره إلى ولاية ميامي الأمريكية حاملا معه كل ما تبقى من ثروات البلد، وفرار قادة الحرس الوطني المجرم إلى بلد مجاور (الأرجنتين)، وتم تجميع مليشيات من المرتزقة بدعم أمريكي في الأرجنتين سميت بجيش (الكونترا) أو (مقاتلو الحرية)، وهو تنظيم وحشي أشتهر بقسوته التي وصلت لحد اللعب بالأعضاء البشرية بعد بترها، وبالتأكيد تم تجميع هؤلاء المرتزقة من دول عدة لشن عدوان على نيكاراجوا تحت مبرر تحرير البلد من طغيان وإستبداد (الساندينستا)، وقد تم إستخدام الأرجنتين كقاعدة لإنطلاق هذا العمل العدائي تحت مبرر عودة نيكاراجوا إلى الحضن الأمريكي اللاتيني!!

ها أنا أرى نظرة الإهتمام تلمع في عينيك وقد فهمت ما أرمي إليه، لذا دعنا نكمل.. تم فرض حصار إقتصادي قاتل على نيكاراجوا، وتم الإيعاز للبنك الدولي أن يوقف نشاطه في نيكاراجوا، ورغم هذا حققت الحركة الوطنية نتائج مهمة في مجال التنمية طويلة الأمد، وتم تطوير مجالات الزراعة والصحة والتعليم، في حين توعدت الولايات المتحدة الحركة بتحويل نيكارجوا إلى ألبانيا أمريكا الوسطى، وأنها ستستأصل هذا “السرطان”، وتوعدوا (الساندينستا) بأنهم سيجعلونهم يتقيحون في شرابهم! ولسنوات ثمان عجز العدوان عن تحقيق أهدافه، حتى بعد أن حدث إعصار كبير عام 1988م، لذا لم يتبقى للولايات المتحدة إلا اللجوء لحل المفاوضات!!

نصت المفاوضات على تسوية سياسية وإجراء إنتخابات مبكرة مقابل رفع الحظر وتوقف أعمال العدوان على نيكارجوا، وبالطبع تخلت أمريكا عن طلب عودة حليفها (سوموزا) الذي بات كرتا مهترئا، وعمدت لنشر رسالة واضحة للشعب في نيكاراجوا قبيل الإنتخابات بأيام مفادها أن العدوان والحصار سيستمران في حال فازت حركة (الساندينستا) بالإنتخابات، وعمدت أمريكا للضغط على جميع المكونات السياسية بالترهيب والترغيب لضمان فوز حلفائها وعودة نيكاراجوا للحظيرة الأمريكية!

الباقي متوقع كما ترى يا عزيزي، فقد تم الضغط على الحركة الوطنية داخليا وخارجيا لتوقف مشروعها التحرري والنهضوي العظيم، ومنذ ذلك التاريخ عادت (السوموزية) لحكم البلد، وليعود تدفق عائدات الثروات لمصلحة الشركات الأمريكية من جديد، ولتعود المعاناة والفقر والجهل والتسلط لتدمرا هذا البلد الذي كان قاب قوسين أو ادنى من تحقيق الإستقلال! فهل وعينا هذا الدرس التاريخي، أم لا؟! فالتاريخ يخبرنا أن البقاء للأكثر إصرارا ووعيا، وأن أدوات الإرهاب الصلبة لا تستطيع قهر الشعوب، ولكن تلك الأدوات الناعمة تستطيع أن تفعل ذلك! لذا فالنصر يحتاج صبرا ووعيا.. والله معنا.

 

You might also like