جنون أسعار الطاقة والغذاء عالمياً.. المصيبة التي لم تكن تنقص اليمن
إب نيوز ١٩ يونيو
إن تأثير الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية على روسيا، والإغلاقات الصينية، ستطال آثارها اليمنيين أكثر من غيرهم، جراء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وكلها يستوردها اليمن من الخارج.
يُعَدُّ اليمن إحدى أكثر الدول تضرراً من الآثار الاقتصادية والإنسانية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية – وما رافقها من عقوبات غربية أشعلت الأسواق -، والتي أفقدت اليمنيين ما كان يجب أن يجنوه من الفوائد النسبية من الهدنة الأممية، التي أُعلنت في 2 نيسان/أبريل الماضي. فعلى الرغم من الانفراجة النسبية التي شهدها اليمن بموجب الهدنة، لناحية تدفق المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة بكميات محدودة، أعقبت أعواماً من الاحتجاز والقرصنة اللذين مارسهما تحالف العدوان، فإن الحرب الروسية الأوكرانية قفزت بأسعار النفط عالمياً إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، الأمر الذي جعل أسعار المشتقات النفطية في اليمن، في ظل الهدنة، تقترب من أسعارها في فترات الحصار الشامل.
اليمن، الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ أعوام، هي عمر العدوان والحصار، والذي يصل إلى سبعة أعوام، بالتأكيد لم يكن ينقصه أن يصبح ضحية للحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية، التي تزامنت – لسوء الحظ – مع الإغلاقات الصينية جراء عودة فيروس كورونا، الأمر الذي تسبّب بارتفاع جنوني في تكاليف الشحن البحري، وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 1000%. فالبلد، الذي يعاني إنسانياً واقتصادياً، يعتمد أيضاً على الاستيراد لتغطية ما يزيد على 80% من احتياجاته من الغذاء والدواء والطاقة من الخارج، الأمر الذي يعني أن كل ما سبق سينعكس على اليمن واليمنيين، على نحو ربما يستدعي تدخلاً أممياً استثنائياً، لكنه ربما أيضاً لن يكون ممكناً، لأن الأمم المتحدة لم تحصل، مطلع العام الجاري – قبل الحرب الروسية الأوكرانية -، من المانحين، إلّا على ما يقارب 30% من التمويل الذي حددته لدعم خططها في اليمن للعام الجاري، 2022، بحيث طالبت الأمم المتحدة بالحصول على 4.27 مليارات دولار لتنفيذ خطتها في اليمن. لكن، في مؤتمر المانحين في آذار/مارس الماضي، تعهّد المانحون تقديم 1.3 مليار دولار فقط، الأمر الذي سبّب خيبة أمل للأمم المتحدة، عبّرت عنها بصورة رسمية على لسان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، مع العلم بأن الأمم المتحدة كانت دائماً تعلن، في الأعوام الماضية، عقب كل مؤتمر للمانحين، أنهم لا يفون بأغلبية تعهداتهم، وهو ما يعني أن حصولها على 1.3 مليار دولار ما زال محل شك أيضاً.
والحقيقة، كما يرى كثيرون، أن الهدنة في اليمن، وإن كانت خفّفت معاناة اليمنيين في الحصول على الطاقة والتصريح ببعض الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء، بعد توقفه ستة أعوام، فإن توقيتها كان لتحقيق مصلحة أميركية في الدرجة الأولى. ويفسّر أولئك ادعاءهم أن توقيت الهدنة، في 2 نيسان/أبريل الماضي، جاء بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من عقوبات قفزت بأسعار الطاقة عالمياً، وارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، التي كانت تمارس ضغوطاً على الدول المصدِّرة للنفط، وعلى رأسها السعودية، من أجل رفع الإنتاج بهدف كبح جماح الأسعار، وأن واشنطن كانت تخشى تصاعُدَ الضربات اليمنية، التي حملت عنوان “كسر الحصار”، واستهدفت قطاع النفط السعودي، وآخرها الضربة الكبرى التي استهدفت قطاعاً نفطياً سعودياً في جدة، أواخر آذار/مارس الماضي. وبالتالي، فإن استمرار الضربات اليمنية كان يمكن أن يُحدِث أزمة عالمية كبرى، وارتفاعاً تاريخياً في أسعار النفط. لذلك، آثرت واشنطن قيادة الجهود لإعلان هدنة في اليمن، تُجنِّب منابع النفط السعودية والإماراتية مزيداً من الضربات اليمنية. والأخيرة أثبتت في 14 أيلول/سبتمبر 2019، عندما استهدفت حقول بقيق وخريص، أنها قادرة، بضربة واحدة، على إيقاف نصف الإنتاج السعودي من النفط، والذي يصل إلى عشرة ملايين برميل يومياً.
إن ما يؤكد ذلك أنه، مع تحول كورونا إلى وباء عالمي في عام 2020، والذي هوى بأسعار النفط عالمياً إلى ما دون الصفر، كانت تلك المرحلة أشد فترات الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان، بدعم أميركي، على اليمن، وحال دون استفادة البلاد من انهيار أسعار النفط، فكان اليمنيون، في تلك المرحلة، يحصلون بمشقة، وبأسعار باهظة، على المشتقات النفطية، في وقت كان العالم يحصل عليه بأسعار دون الصفر.
ولم تُخفِ الإدارة الأميركية دورها في تحقيق الهدنة، إذ أعلنت ذلك مؤخراً في عدة مناسبات، منها بيان البيت الأبيض بشأن الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي، بايدن، للسعودية، الشهر المقبل، والذي أشار إلى أن الجهود الأميركية والسعودية أثمرت الهدنة في اليمن.
إن تأثير الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية على روسيا، والإغلاقات الصينية، ستطال آثارها اليمنيين أكثر من غيرهم، جراء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وكلها يستوردها اليمن من الخارج، بالإضافة إلى سلع مهمة، منها القمح، كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا نفسيهما، غير أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً يمثّل الهاجس الأكبر، وربما الكابوس، في اليمن، بسبب ارتباطه بكل مناحي الحياة، بدءاً بارتفاع تكلفة الحصول عليه، وارتفاع تكلفة كلّ من النقل والكهرباء… إلخ.
صحيح أن حكومة الإنقاذ في صنعاء لا تزال المشتقات النفطية تُباع في مناطق سيطرتها بأسعار أقل من دول كثيرة متقدمة، لكن الفارق أن المواطن اليمني يعاني اقتصادياً جراء الحرب والحصار، ويعاني قَطع الحكومة الموالية للتحالف للرواتب، منذ قرار نقل وظائف البنك المركزي في أيلول/سبتمبر 2016. وبالتالي، فهو يعاني بسبب توفير المال اللازم للحصول على الغذاء والطاقة، أكثر كثيراً من نظرائه في الدول التي تبيع المشتقات النفطية بأسعار أعلى. وكان يمكن أن يكون الوضع أقل سوءاً لولا تلك المفارقة الغريبة، والمتمثّلة بأن حكومة صنعاء تسيطر على مناطق تضم 80% من السكان. وبالتالي، فإنه يقع على عاتقها ما يقارب النسبة نفسها 80% من بنود الإنفاق الحكومي، بينما الحكومة الموالية للعدوان تسيطر على مناطق تضم 20% من السكان، وتستحوذ على 80% من إيرادات الدولة، وعلى رأسها إيرادات النفط الخام والغاز المنزلي. فعلى سبيل المثال، أقرت الأخيرة أن إيراداتها من النفط الخام فقط، في عام 2021، بلغت 1.4 مليار دولار، أي ما يعادل 840 مليار ريال يمني، في تقرير رسمي نشرته وكالة “رويترز” في أيار/مايو الماضي، علاوة على تحصيلها 17 مليار ريال شهرياً من عائدات الغاز، لكن لا يصل منها أي شيء إلى المواطن، في وقت تستمر حكومة صنعاء في صرف نصف راتب بين الحين والآخر من الإيرادات الشحيحة لميناء الحديدة، الذي شهد إغلاقاً شاملاً من جانب تحالف العدوان في فترات طويلة خلال الأعوام الماضية.
لذلك، ما لم تتغير الظروف القائمة، من قبيل توقف الحرب في أوكرانيا، أو تراجع العقوبات الغربية على موسكو، أو من جانب آخر، مثل تلاشي شبح كورونا عن الصين، فإن اليمن سيكون عليه أن يجد طريقة ما لمواجهة التأثير القاتل لتلك الظروف، التي لن تكون أغلبية اليمنيين قادرةً على مواجهتها. فبالتأكيد، يعاني اليمنيون ما يكفي، ولم يكن ينقصهم مصيبة أخرى، كما أن ظروفاً مثل هذه تستدعي من الأمم المتحدة إلزام الحكومة الموالية للتحالف بصرف عوائد النفط والغاز والموارد الأخرى من أجل تخفيف المعاناة، واستئناف صرف رواتب موظفي الدولة، التي جرى قطعها منذ قرابة ستة أعوام، كشكل من أشكال الحرب والضغط الاقتصادي.
لتحقيق أهداف عجزت عن تحقيقها آلة الحرب العسكرية، أشار فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، والمعني باليمن، في تقريره لعام 2017، إلى أن التحالف يستخدم الاقتصاد ورقةَ حرب في اليمن.
إن الهدنة، التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن، في 2 نيسان/أبريل الماضي، على الرغم من أهميتها، فإنها لن تغير واقعاً، مفاده أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، والهدنة لا تُعَدُّ شيئاً مقارنة بالتأثيرات الناتجة من الحرب في أوكرانيا وما رافقها، وما يحدث في الصين. فهذه الهدنة تتلخص، بصورة كاملة، في دخول تسع سفن مشتقات نفطية في الشهر عبر ميناء الحديدة، وتتعرض للاحتجاز عدة أيام، وفي رحلتين أسبوعياً عبر مطار صنعاء، بينما لم يلتزم تحالف العدوان إلّا ما يقارب 30-40 % من عدد الرحلات تلك. وبالتالي، فإن الوضع في اليمن لن يستفيد جذرياً بأفضل نتيجة لها.