آثار وتداعيات العدوان والحصار والحرب الاقتصادية على الاقتصاد اليمني… والصمود الأسطوري للشعب اليمني في مواجهتها
إب نيوز ٢١ محرم
لا يختلف اثنان على القول إن العدوان الغاشم والحصار والحرب الاقتصادية على اليمن منذ ثمان سنوات خلفت أزمة اقتصادية بكل المقاييس وأدت إلى أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم في العصر الحديث ومن المعلوم بأن الاقتصاد اليمني واجه كماً من المتغيرات السياسية والأمنية والتشريعية والتي كانت لها انعكاساتها المباشرة في رسم ملامح الاقتصاد في المرحلة الراهنة، حيث يمر الاقتصاد اليمني بعدوان وحصار اقتصادي غاشم أوهن قواه الحية وأضعف قدراته الإنتاجية وبدد طاقاته المادية والمالية والبشرية، فالاقتصاد اليمني من الاقتصاديات الضعيفة من حيث هياكله الإنتاجية نتيجة السياسات والقوانين والاتفاقيات والبرامج المستوردة بغرض إضعافه .
وقد استهدفت دول العدوان الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر من خلال تدهور حاد وعدم استقرار في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية أفضت إلى خسائر وتكاليف اقتصادية جسيمة ترتب على ذلك بروز عدد من الأزمات حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة (48 %) وبالتزامن مع ارتفاع المستوى العام للأسعار والذي اثر في انخفاض متوسط دخل الفرد بحوالي (68 %) أي أن الأفراد خسروا ما يعادل من ثلثي دخولهم وأدى ذلك إلى ارتفاع مستوى البطالة إلى ما يتجاوز (60 %) وأيضا أثر استمرار العدوان والحصار الاقتصادي وتداعياتهما على مدى أكثر من سبع سنوات بشكل أو بآخر على أداء الاقتصاد القومي وعمَّق من تدهور الأوضاع الاقتصادية الذي دفع بالكثير من السكان إلى دائرة الفقر والحرمان حيث تشير التقارير إلى أن ما يقارب (90 %) من السكان تحت خط الفقر و(35 %) منهم وصلوا إلى المرحلة الخامسة من المجاعة هذا من ناحية .
ومن ناحية ثانية فقد شهد الاقتصاد خسارة إضافية معبّرا عنها بتكلفة الفرصة الضائعة تضاف إلى الخسائر في الثمان السنوات السابقة، وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة الفرصة الضائعة ستستمر في التراكم خلال السنوات القادمة ويستمر التدهور الاقتصادي في اليمن بسبب العدوان والحصار الاقتصادي المفروض من دول تحالف العدوان في مفاقمة المعاناة الإنسانية، ويتجلى ذلك بوضوح في العبث وتبديد أموال الشعب داخل اليمن وخارجه ونهب ثرواته من النفط والغاز إضافة إلى الإيرادات في جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية ونهب المنح والمساعدات الخارجية والاستيلاء على الاحتياطي من القروض الخارجية والأرصدة المجمدة التي تخص البنوك التجارية في الخارج والمضاربة بالعملة الوطنية .
وقد لخص قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في كلمته التي ألقاها بمناسبة اليوم الوطني للصمود ودخول العام الثامن من العدوان والحصار والحرب الاقتصادية على اليمن إجمالي ما تم نهبه من النفط والغاز والإيرادات الجمركية والضريبية حوالي سبعة وعشرين تريليوناً وستمائة ومليون مليار ريال، إضافة إلى طباعة ما يزيد عن خمسة تريليونات و320 مليار ريال من العملة غير القانونية بحيث يكون إجمالي ما ذكر أكثر من 33 تريليون ريال وهذا المبلغ كفيل بمعالجة جميع النفقات المالية التي تحتاجها اليمن، وفي حال تم إدخالها باستثمارات وطنية كبيرة سوف تحقق التنمية الاقتصادية الشاملة للشعب اليمني ولا ننسى عمليات الفساد ونهب الأموال العامة وانتشار عمليات غسيل الأموال التي تتم بتواطؤ أممي والتي تمثل جزءاً بسيطاً من فساد حكومة العملاء كل ذلك له مخاطر كبيرة على الاقتصاد الوطني ويعود عليه بآثار كارثية على المدى القريب والمتوسط والبعيد .
ومن أبرز التأثيرات التي لحقت بالاقتصاد اليمني جراء الحصار الأمريكي السعودي الإماراتي منذ أكثر من سبع سنوات على بدء العدوان تتجلى في حدوث أزمات مالية تمثلت في انخفاض القوة الشرائية نتيجة انخفاض العملة المحلية وارتفاع مستويات البطالة والفقر والانهيار الكبير في نظام تقديم الخدمات العامة وانقطاع مرتبات موظفي القطاع العام وزيادة تدريجية في التضخم في أسعار السلع والخدمات وضرب سعر الصرف وارتفاع مدخلات الإنتاج الذي يمثل عائقاً في الاستقرار الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والتي كان من مخرجاتها هجرة رأس المال المحلي والأجنبي إلى الخارج وبالتالي إصابة الاقتصاد الوطني بأزمات مالية ونقدية واقتصادية.
وبسبب الآثار المباشرة للعدوان والحصار الاقتصادي الناجمة عن تدمير البنى التحتية والمنشآت الإنتاجية والاقتصادية وتوقف شبه كلي لإنتاج وتصدير النفط والغاز والحد من تدفق مستلزمات ومدخلات الإنتاج وانقطاع وشحة إمدادات الطاقة وارتفاع تكاليف الإنتاج وتقييد حركة التجارة الخارجية والداخلية وكذا الآثار غير المباشرة الناجمة عما أفرزه هذا التدهور من مضاعفات وأزمات أبرزها أزمة السيولة والمرتبات والمعاشات وأزمة الدين العام، حيث أن له اثراً على النمو الاقتصادي من خلال ما يسمى بالأثر الإحلالي، لأن تراكم الدين الداخلي أو الخارجي يقود إلى تراكم رصيد السندات الحكومية لدى المجتمع على حساب تراكم رأس المال المادي واثر المزاحمة، حيث أن توسع عجز الموازنة وزيادة الطلب الحكومي على التمويل يزاحم القطاع الخاص على مصادر التمويل المتاحة ما يضر بوتيرة النمو الاقتصادي وفي نفس الوقت تنافس نفقات خدمة الدين بقية بنود الإنفاق العام على الموارد المحدودة مما يؤثر على الأداء الكلي لأجهزة ومؤسسات الدولة.
ومن الآثار المترتبة أيضا نتيجة الحصار الاقتصادي والحرب الاقتصادية الزيادة في قيمة المنتجات الصناعية والزراعية وبالتالي زيادة سعر المنتج الذي يؤدي لعدم قدرة المواطن على شراء احتياجاته الضرورية للعيش ومن ناحية أخرى وبسبب الحصار الاقتصادي ومنع سفن الوقود والغذاء من الدخول إلى ميناء الحديدة وبسبب القيود المفروضة على الصادرات والواردات وان أغلب المنافذ الجمركية والضريبية تحت سيطرة دول العدوان ومرتزقتها فإن أغلب السلع والخدمات تأتي من المناطق المحتلة وبسبب هذه الزيادة في التعرفة الجمركية التي فرضتها حكومة المرتزقة حيث سيؤدي ذلك بشكل إجمالي إلى الارتفاع الكبير في سعر السلع والخدمات وبالتالي وجود تضخم بنسبة كبيرة ويؤدي إلى تآكل رؤوس الأموال لدى التجار والمستثمرين وعزوفهم عن الاستثمار وبالتالي ظهور الكساد الاقتصادي .
ويهدف العدوان من الحصار الاقتصادي على الشعب اليمني إلى محاولة تغطية الفشل الذي لحقه في السياسات المالية والنقدية والذي أصابه بالإحراج أمام المجتمع الدولي والمحلي بسبب السياسات الاقتصادية الناجحة التي اتخذتها حكومة المجلس السياسي الأعلى، ومن ناحية أخرى تسعى دول العدوان في حصارها الاقتصادي على اليمن من خلال القرصنة على سفن المشتقات النفطية إلى تحقيق آثار كارثية أخرى تتمثل في حدوث انهيار ومعاناة كبيرة في الجانب الإنساني والجانب الخدمي وعجز المواطن عن شراء احتياجاته الأساسية والضرورية من الغذاء والدواء بسبب الغلاء الفاحش ويهدف العدوان من هذا الإجراء إلى تفكيك الجبهة الداخلية وإثارة الفوضى في المجتمع وتحقيق ما فشل في تحقيقه من خلال طباعة العملة المزورة بكميات كبيرة .
ومن ناحية أخرى كان للعدوان والحصار والحرب الاقتصادية الدور الكبير في تأخير بناء الدولة وتدمير الاقتصاد الوطني عن طريق تطبيق حكومة العملاء سياسات مالية واقتصادية فاشلة ونتائجها على المدى القصير والمتوسط والطويل تسببت في انهيار كبير للاقتصاد الوطني وعملته المحلية وكل ذلك كان وفق إملاءات خارجية استعمارية هدفها السيطرة على اليمن وثرواته الاقتصادية.
كما تسعى دول تحالف العدوان من خلال فرضها الحصار الاقتصادي ونهب ثروات اليمن الطبيعية من النفط والغاز والموارد العامة إلى تحقيق أهداف أخرى لها آثار كارثية مستقبلية على الاقتصاد الوطني منها تغطية خسائرها من النفقات المالية لمرتزقة الفنادق وتحميل اليمن فاتورة كبيرة من نفقات وتكاليف وأعباء مالية في المستقبل حتى تنشغل الأجيال القادمة بسدادها هذه الفاتورة عبر عقود من الزمن وتكون عائقاً كبيراً في طريق تحقيق التنمية الاقتصادية لمستقبل اليمن وبذلك يضل اليمن يعاني من الفقر والجوع والمرض وينتشر فيه الفساد المالي والإداري ولا يحقق أي تطور أو تقدم وازدهار ويظل تابعا ذليلا خانعا لنظام آل سعود ويظل اقتصاده وثرواته السيادية في مرمى الأطماع الأمريكية السعودية الإماراتية وهذا لن يكون ومن المستحيل تنفيذه في اليمن.
ومع كل هذا فليس أمام الشعب اليمني إلا الصمود والمواجهة ولن يقبل بأي إملاءات من أي طرف كان أو أي قوة موجودة على هذه الأرض ويأتي هذا الصمود الأسطوري والاستراتيجي للعام الثامن على التوالي ترجمة واضحة وجلية لفشل المشروع الأمريكي في السيطرة على دول المنطقة، لأن الشعب اليمني وقيادته الحكيمة عرفت بهذا المشروع الاستعماري وتصدت له مبكرا ومما لا شك فيه فإن اليمن جزء لا يتجزأ من محور المقاومة وكان الشعب اليمني أول من واجه هذا المشروع الأمريكي وكشف حقيقة أمريكا في السعي إلى احتلال اليمن ونهب ثرواتها الاقتصادية وأسقط الأقنعة المزيفة التي تدعي بها أمريكا من الأمن والسلام وهي تقدم الدعم الكبير للجماعات الإرهابية وتسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار بين الشعوب لغرض تنفيذ أهدافها الاستعمارية .
والصمود الأسطوري والاستراتيجي للشعب اليمني لثمان سنوات تكلم عنه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في أحد خطاباته والتي تضمنت عدة عوامل ساهمت في صمود الشعب اليمني كان على رأسها العون الإلهي عندما التجأ هذا الشعب إلى الله سبحانه وتعالى وراهن وتوكل على الله ووثق به وقرر الصمود انطلاقا من هذه الثقة بالله مهما كانت التضحيات والمخاطر وأيضا يتجلى هذا الصمود الأسطوري في القيادة الحكيمة الصادقة والشٌجاعة التي منَّ الله بها على هذا الشعب الصامد ممثلة بقائد الثورة السيد عبدالملك الذي وجه وحدد نقاط المواجهة والخيارات الاستراتيجية ورفع من معنويات الشعب اليمني وأعاد لهم الثقة بأنفسهم واعتمادهم على الله عز وجل ويعزز ذلك ما جاء في التوجيهات الربانية في المنهج القرآني الذي أكد على أن من ينصر الله فسوف تكون النتيجة ثابتة وحتمية وهي أن الله سينصره ويثبت أقدامه لأن النصر بيد الله العزيز القدير.
ومما لا شك فيه فإن الصمود الأسطوري للشعب اليمني ضد العدوان والحصار والحرب الاقتصادية أسقط كافة الأقنعة المزيفة والإجرامية التي كان يتوارى خلفها الكثير من الدول والأنظمة وباتت مؤامرات أمريكا وأذنابها في المنطقة على اليمن وارتباطها المباشر مع الصهاينة تتجلى وضوحا وباستمرار، فمنذ بداية هذا العدوان وحتى العام الثامن تسعى هذه الدول إلى فرض سيطرتها على اليمن نظرا لما تمتلكه من ثروات هائلة وما تحتله من موقع جغرافي واستراتيجي متميز ومكانة هامة إقليميا وعالميا، وبحسب ما يراه مراقبون دوليون من أن تصريحات مسؤولين في كيان العدو الصهيوني تعد اعترافا صريحا حول حقيقة الأطماع الاستعمارية التي تنفذ عبر الأنظمة الخليجية الرخيصة التي تقوم بدور الوكيل لتنفيذ الأجندات والسياسات الأمريكية الإسرائيلية في اليمن بشكل خاص وفي المنطقة العربية بشكل عام .
*يحيى علي السقاف
وكيل وزارة المالية
باحث وكاتب في الشأن الاقتصادي