الفرق بين زيد ويزيد حرف
محمد حسن زيد
إب نيوز ٢٥ محرم ١٤٤٤
يُحكى أن زيد بن علي رأى امرأة تُخفي الميتة لتُطعم أطفالها الجياع من شدة الفقر فتأثر لذلك غاية التأثر ثم كان منه ما كان من الخروج والثورة،
واليوم ونحن نشهد استهداف مجتمعنا بسياسة الإفقار والتجويع فكأنما الوضع المؤلم يستدعي زيدا ليقوم بثورة عارمة على يزيد!
وفي المقابل يحاول يزيد أن يئد الثورةَ بمساومتنا بالجوع والموت مقابل أن نستأصل زيدا من عقولنا ونعود تحته صاغرين،
فيزيد يغتاظُ جدا من فكرة أن نتحرر من وصايته سيما وقد اعتاد أن له أعواناً بيننا قد يبيعون أنفسهم وأهليهم وأوطانهم من أجل مال قليل أو منصب حقير!
زيدٌ ويزيد – رغم إن الفرق بينهما ليس إلا حرفا واحدا إلا انهما ضدان لا يجتمعان،
فالأول هو حليفُ القرآن، والثاني هو المُجاهر بالفسوق والعصيان.
الأول هو رمز التضحية والجهاد، والثاني هو رمز الطغيان والفساد.
الأول هو رمز الوعي وتحمل المسؤولية، والثاني هو رمز المكر والمجازر التاريخية.
الأول استقطب أمثال أبو حنيفة النعمان، والثاني استقطب أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي.
إن الفرق بين زيدٍ ويزيد هو حرف واحد فقط لكن الفرق بينهما في الدلالة شاسع لأنهما طرفا نقيض،
فزيدٌ هو رمز “الهاشمية السياسية” حسب الإصطلاح المعاصر لكن لا بالمعنى الذي يُروّجهُ العباهلة الجدد من استئثار فئة دون غيرها بالاستطالة على الناس والاستعلاء في الأرض، بل “الهاشمية السياسية” بالمعنى الذي جسّده الواقعُ مرارا هي التضحية بالنفس والأولاد حين يتكدّس الظلمُ ويتكرّس الانحرافُ وتخفُتُ الأصواتُ وتحتاجُ الأمة لمبادر صابر آمرٍ بالمعروف ناهٍ عن المنكر حيث الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين.
وفي المقابل فإن يزيد هو رمز المُلك العضوض والركون إلى واقع طافح بالتضليل والخوف والطمع تُستباح فيه الحقوق والفروج والدماء والمقدسات حيث الولاية للشيطان صغيرا كان أو كبيرا.
لكن لا نغفل أن هناك فريقا لا يُريد أن يُفرض عليه الاختيار بين زيدٍ ويزيد، ويطمحُ لخيار ثالث
فما هو الخيار الثالث؟
هل هو الديمقراطية؟
هل هو الليبرالية؟
هل هو الدولة المدنية؟
لكن لتسمحوا لي أيها الحالمون الكرام،
هل سيسمح لكم المتحكمون بمصيركم أن تحصلوا على خير دون صبر وصمود وتضحية وقتال؟
وما نيلُ المطالب بالتمني *** ولكن تُؤخذُ الدنيا غلابا
*مخاطر عقلية العباهلة على مستقبل اليمن والمنطقة*
كذلك اليوم وبعد فشلها في استخدام الدين والعروبة ولجوئها لتغيير قواعد اللعبة نسمعُ أصواتا تسعى لبعث قومية يمنية غابرة لكي تُحرر اليمن من سلطة “قريش” كما تزعم!
وليت هذه الأصوات تعني بذلك التحرر من وصاية الأعراب!
لكنها للأسف ليست إلا أصواتاً موجهة لعرقلة من يقود معركة اليمن للتحرر من وصاية الأعراب! فأي تناقض هذا؟
ومعلوم أن صناعة هذه الانتماءات المحلية الضيقة إنما ظهر بغرض تفكيك العروبة وعزلها عن قضية فلسطين المركزية والتمهيد للتطبيع مع إسرائيل، فالعنوان هو أن اليمني ينبغي أن يهتم باليمن فقط والمصري يهتم بمصر فقط، ويبررون لذلك أن الشعب اليمني في الأصل لم يكن عربيا ولا مسلما بل كان حميريا ثم ينبشون التاريخ ويتكلفون الأدلة مثلما يحاول الاخوة الجنوبيون التنصل من انتمائهم إلى اليمن على أمل أن ينفصلوا ويتحولوا إلى دولة فارهة على غرار دول الخليج…
لكن الخطورة في الدعوة لمثل هذه الانتماءات المحلية وإقرار هذا المبدأ انه ما من ضمانة لوقوفها عند الحد الذي يطلبونه،
فالاخوة الجنوبيون لا يمكن أن يضمنوا بهذه العقلية بقاء الجنوب موحدا في دولة واحدة،
فحضرموت مثلا كبيرة وثرواتها هائلة وسكانها قليل، ولماذا لا يحق للحضارمة أن يُؤسسوا دولة حضرمية ليصبحوا بها أغنى من دول الخليج؟
إذا سادت هذه العقلية فسنسمع من يتحدث عن هوية حضرمية وانتماء حضرمي وتراث حضرمي ومظلومية حضرمية وثروة حضرمية ووطن حضرمي…
وهكذا سيفتح سكوتنا عن هذا التفتيت الطريق أمام تجزئة الأجزاء إلى أجزاء أصغر قد تتمحور أحيانا حول بئر نفط أو حقل غاز أو منجم ذهب أو قضية ما، وبهذا تُثار النعرات في كل إقليم وكل منطقة وكل لهجة وكل قبيلة لنجد أنفسنا أمام أمة ممزقة تُفرقها العصبيات والأنانيات ولا يكاد يجمعها شيء…
*”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف الله بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون”*