الإمام زيد .. وطريق الحرية والنجاة
إب نيوز ٢٧ محرم
عبدالملك سام
قال لي والدي – رحمه الله – يوما: “بيننا وبين الناس علي، وبيننا وبين الشيعة زيد”، عبارة لم تأتي من فراغ لما يمثله زيد من نقطة فاصلة بين الحق والباطل، كما مثل الأنبياء والأولياء نقطة فاصلة دوما، ولعله النقطة الأكثر وضوحا للفصل بين التوجهات من بعد ثورة جده الحسين (ع)، لأن هناك من أدعى أنه لو كان في زمن الحسين لنصره، فجاء زيد (ع) وكأنما يقول: أنا حسين آخر، فتعالوا معي لنمشي على خطى الأحرار..
بعيدا عن الوصف التقليدي في كتب التاريخ لشخصية الإمام زيد (ع)، فهو وصف لا يقدم الكثير، فالإمام زيد أثر في جيل كامل في تلك الفترة لما كان يتمتع به من “كاريزما” جذبت الأنظار إليه، بالإضافة لصفة طالما أدهشت كل من قابله، حتى أولئك الذين كانوا قريبين منه، ألا وهي صغر سنه! نعم، فكلهم أجمع على أنه يحمل علما ورؤية تفوق سنة بكثير، وأنه من ذلك النوع الذي يستطيع أن يرد على أي سؤال بكلمة أو آية، حتى قال فيه أبي حنيفة بعد مرافقته لسنتين: “لولا السنتان لهلك النعمان”، والقصة تتكرر مع كل من قابل الإمام زيد (ع) القائد العالم الشاب الفطن، ولكن علمه لم يكن كل ما يجيده (حليف القرآن)..
لم يوجد في عصره من كان أشجع منه، حتى لتشعر في حضرته بطاقة تعجز عن مجاراتها بسرعة، ولذلك فقد كان محط أعجاب وتعجب كل من قابله، فقد كان يشعر كل من قابله أنه أمام الحق في أنصع صوره وأكثرها وضوحا وغزارة، ولذلك – أيضا – يوم خذله الناس فقد كان الندم جزاء سوء صنيعهم، فمنذا يخذل شخصا عظيما كزيد (ع) ثم ينتصر ويرتاح؟! أما أولئك الذين كانوا بقربه فقد أكتسبوا شيئا من طباع قائدهم كالجبال الرواسي، فكانت الشهادة أحب أليهم من حياة الذل والهوان، ومتى كانت حياة الذل حياة؟!
التاريخ لم ينصف زيدا (ع) أبدا، ذلك الذي سمي تيمنا بأسمه مائة وخمسون ألف مولود بعد أستشهاده، وكانت سيرته ومنهجه محط قلق ومقت كل الطغاة، بداية من الملعون هشام بن عبدالملك، الطاغية الأموي جليس اليهود، وحتى اليوم؛ فنهج زيد هو: “والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت”، ونهج “من أحب الحياة عاش ذليلا”، ونهج “ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا”، ولذلك كان منهجه هذا هو ما يجعل الطغاة يلاحقون ويكرهون كل من يقتدي ويتحرك كزيد (ع)، وهو أيضا ما جعل الجبناء يشوهون سيرته حتى يبرروا سبب إعراضهم عن زيد (ع).
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، نجم منير من آل محمد في زمن الظلمات، ودعوة للحرية في زمن العبودية والرق، وصوت للحق في زمن صم فيه الباطل آذان الأمة. وزيد (ع) كان داعيا للحرية وللكرامة في زمن هان فيه الحكام الطغاة أمة جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنذا يأنف أن يكون مع زيد (ع)؟! أو أن يكون من أتباع زيد (ع)؟!
هذا سؤال أستنكار لأننا نعرف من هم، ولأننا نعرف جيدا أنهم كثيرون، ولذلك تكررت كربلاء مرة ومرات، وفي كل مرة يقول المتخاذلون ندما: “ليتنا كنا مع الحسين”، ولكن كلما جاء من يواصل درب حسين خذلوه، ولن تخرج الأمة مما هي فيه إلا متى نصرت الحسين ومدرسة الحسين، وأنتهجت نهج زيد ومدرسة زيد، وتمسكت بعترة محمد، وعرفت أنه ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا..
نحن اليوم بحاجة للبحث أكثر في سيرة زيد (ع)، وأن يتم إحياء نهج هذا الإمام العظيم، لأن مفتاح نجاة الأمة موجود فيما حدث في تلك الفترة، فمتى عرفنا الحق سنعرف الفرق بين أهل الحق وأهل الزيف، والإمام زيد هو من قال: “البصيرة البصيرة، ثم القتال”، وكل من يفر من كلام ومواقف زيد (ع) إنما هو يحاول أن يتجنب الحق في سيرة جده الحسين (ع)، والتي هي سيرة الحسن (ع)، والذين أخذاها عن أبيهم علي (ع)، والتي عرفها من الرسول الأعظم (ص)..
السلام على الإمام زيد، وعلى آباءه، وعلى الرجال الميامين الذين وهبوا مهجهم بين يديه وعلى محرابه، وعلى من تمسكوا بنهجه ليحافظوا على دين محمد نقيا، وعلى كل من جاهد في الله حق جهاده، والسلام على الأتين من بعده حاملين النور وهم يتخطون رقاب الناس، نورهم يسعى بين أيديهم، فمن تبعهم عز ونجا، ومن تخلف عنهم ذل وهوى.. والعاقبة للمتقين.
…
*روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه نظر ذات يوم إلى زيد بن حارثة، فبكى وقال: “المقتول في الله، المصلوب من أمتي، المظلوم من أهل بيتي سمي هذا”، وأشار إلى زيد بن حارثة، ثم قال: “أدن مني يا زيد، زادك أسمك عندي حبا، فإنك سمي الحبيب من ولدي”.