من سوء حظك أنك تعيش بيننا !!
إب نيوز ٢٨ محرم
عبدالملك سام
يبدو بأنني سوف أؤلف كتابا عن أيام المطر في بلادنا، وهذا إن دل فإنما يؤكد البنية التحتية “الفنكوشية” التي بناها الراحل غير المأسوف عليه.. المهم، كنت احاول ان أشد الخطى حتى اتفادى قطرات المطر التي بدأت تهطل، وقطعت الطريق بسرعة متحاشيا سيارة تمشي مسرعة كأنها لا ترى احدا، التفت لأبدي ملاحظة سريعة غير مؤدبة للسائق المتهور ولكني لمحت بطرف عيني رجلا ملقى قرب إحدى مكبات النفاية.. كان من الصعب ملاحظته؛ فثيابة أصبح لونها تقريبا مثل تلك النفايات الملقاة بقربه، عندها توقفت للحظة.. للحظة فقط!
لم ادري ماذا أفعل، هل أتجاوزه كأني لم أره كما يفعل الآخرون؟! أم هل أقف قربه لأسأله عن أبناءه أين ذهبوا وتركوه؟! كنت مترددا للحظات، وفي الأخير وجدت نفسي أتصرف كالبقية، وأمشي وكأن الأمر لا يعنيني! بعدها تألمت من نفسي، وبدأت أتهمها بالجبن وسوء التربية؛ فالرجل كان كهلا، وربما يكون جائعا، أو محتاجا لمن يسمعه أو يعينه. ثم بدأت أفكر ماذا حدث لنا ونحن طالما مدحنا أنفسنا بأننا شعب فيه حمية ونجدة؟! وتذكرت – ولا اعرف لماذا – ذلك البرنامج التلفزيوني الذي شاهدت بعض حلقاته قبل مدة…
في إحدى حلقات البرنامج تتعرض فتاة لموقف تحتاج فيه من يساعدها وينقذها من شخص يضايقها، وطبعا كانت ردات الفعل سريعة وقوية، حتى ذلك الشاب (المودرن) رغم حلاقته التي توحي بأنه لا يستطيع فعل شيء، تحرك كسوبر مان وأنقذها.. البعض كان على أستعداد أن يعطيها ما في جيبه من نقود حتى لو كانت كل ما يملك لحظتها وهو يبتسم ويشعر بالفخر، فأين ذهبت هذه الحمية والكرم أمام هذا الرجل العجوز المتشرد البائس؟!
أنت تفهمني، كما يفهمني الجميع، وكما نفهم بعضنا البعض كيمنيين.. بالطبع أن إنقاذ فتاة يعبر عن الشهامة والأخلاق، ولكن الشهامة والأخلاق لا تتجزأ او تتحيز؛ وإلا لكانت حينها تعبر عن شيء آخر، ونوايا غير الشهامة! على العكس ربما، فإنقاذ رجل كهذا قد يكون اولى وأهم..
شطح خيالي لحظتها وفكرت، ماذا لو نزلت ثروة كبيرة فجأة على هذا الرجل؟! بالتأكيد حينها كان يمكن ان نجد ذويه يهرعون لتقبيل قدميه حتى ينالوا جزءا منها! طبعا هذا الكلام كان يمكن أن يحصل لو كان هذا الرجل متشردا في الخارج فقط؛ لأن اهله لن يحصلوا على شيء إلا برضاه، أما عندنا فيكفي أن ترشو القاضي (فلان) والفندم (علان) حتى تحصل على أموال هذا المتشرد حتى لولم تكن من أقرباءه، ولن يستطيع أحد أن يقف أمامك ويقول لك لا طالما وأنت تعطي مالا من تحت الطاولة!!
يعني أننا لم نعد رحماء كما ندعي، كما أننا لن نسمح لرحمة الله أن تنزل! وفي ظل هذه النفسية التي بتنا نعيشها تأكدوا أننا بتنا بعيدين عن رحمة الله بنا! أنا أتحدث هنا عن التدين الحقيقي، وعن الاخلاق الكريمة، وعن قيم بتنا نفتقدها كالعدالة، والتعاون، والرأفة.. أتحدث عن التفريق بين صعوبات الحياة التي نواجهها، وتلك التي نتسبب فيها بأنفسنا لبعضنا، والمشكلة أننا لم نعد ندري لماذا وكيف وإلى متى؟!!
لو فكر كل شخص منا بأن يبادر وفي قلبه يقين بأن الله سيضاعف ما ينفقه، ويردها عليه خيرا مضاعفا في حياته وبعد مماته، ولو أننا فكرنا بالإحسان كما نفكر في الأستثمارات والعقارات والمشاريع، لكانت تغيرت حياتنا وواقعنا تماما، ولما وجدنا في بلاد المسلمين متشردين ومحتاجين بهذا الكم! ولك أن تتخيل معي كم كانت حياتنا ستكون أفضل وأسهل؟! دعك من كلامي، وواصل طريقك، ولكن لا تسأل نفسك لماذا صارت حياتنا جحيما وتدعي أنك لا تعرف، نحن نعرف جيدا..
…
*أتعس المتوفين هم اولئك الذين يأتيهم الموت وهم في أفضل حالاتهم، ويملكون الأموال والأراضي والعقارات، بل ما أسواء حالهم لو كان ما جمعوه من الحرام وهم يعرفون أن الجحيم في إنتظارهم! أما التعساء فأنهم لا يحزنهم الموت، بل ربما قد يريحهم ان يعرفوا أنهم على وشك أن يرحلوا من حياة البؤس.