الثورة وبراكين الثائرين التي لم تخمد بعد
إب نيوز ٢٥ صفر
عبدالملك سام
أرجوكم لا تستغربوا من إبتسامتي الغريبة اليوم، ولا تسألوني عن هذا الفرح الطفولي الذي يتقافز من مقلتي، ولا تقفوا هكذا مكتوفي الأيدي.. أفعلوا شيئا، أي شيء! أضيئوا الليل، وأحدثوا ضجة، وتعالوا لنتسامر حتى الصباح.. لا تبالوا بمن يصرخ من نافذته، وأدعوه ليخرج ويسهر معنا.. فالثورة أنتصرت – في مثل هذا اليوم – لأجله ولأجلنا، وحقوقه وحقوقنا.
اليوم، ومن دون قصد، وجدت نفسي أتسكع بالقرب من ساحة الإعتصام، وبدأ شلال الذكريات يتدفق، فلم تكن مجرد صور محفوظة في ذاكرتي، بل كانت ذكريات لها مشاعرها، ورائحتها، وأصواتها، ووجوه الرفاق الذي رحل الكثير منهم فداء لنا، ووجوه من ينتظر وما بدلوا مبادئهم ونقائهم.. تذكرت مشاعر الخوف وأنت تفارق أهلك، ومشاعر الرهبة وأنت تتحرك مع بعض الرفاق، ثم والعدد يزداد شيئا فشيئا حتى صار طوفانا عاتيا أخذ في طريقه كل من ظن أنه يستطيع أن يوقف الثورة.
لم أنسى طعم الجبن والخبز الذي كنا نقتاته بنهم على روائح الأطايب التي كانت تصل للخيام المجاورة.. لم أنسى رائحة البارود والمازوت المشتعل والدم الذي كان يتدفق من كل مكان، ووجه عبدالله وباسم وخالد وأحمد ويونس وياسر وإبراهيم وغيرهم كثيرين لم اعرفهم إلا بألقابهم أحيانا. لم أنسى وجه أبي المشفق، وكلمات أمي القلقة، وزمجرة أخوتي في تلك الفترة العصيبة..
لم أنسى تملق الإخوان، ودعابات اليساريين، وتشاؤم المرفهين، وصمت المقهورين، وحماس المؤمنين.. ولم انسى رائحة الخمر التي كانت تفوح من فم ذلك الضابط الذي قبض علي وأنا أغادر الرفاق خائفا متخفيا إلى منزلي، وملمس فوهة المسدس في صدري، ولولا مشيئة الله ما نجوت ليلتها ولا بعدها..
لم أنسى الخوف والجوع والأرق، ولم أنسى الفقر والرضا والسرور والقلق.. ولم أنسى فرش التراب، وبرد العضام، وتعب الروح، وألم القلب، ومصارعة اليأس، ومقارعة الحقد.. ولكن العجيب فعلا هو هذا الحنين الذي أشعر به لكل ما مضى رغم قسوته!
كنا بالعشرات، ثم بالمئات، ثم بالملايين.. ثم عدنا مئات، ثم عشرات، ثم مئات مجددا، ثم ملايين! المرة الأولى كانت في بداية الثورة، وقد تعلق الكثيرون معنا إما بدافع الحقد أو القهر أو الخوف.. والمرة الثانية بعد أن حاول العملاء وسادتهم أن يلتفوا على الثورة، فغادر الحاقد والخائف وبقي المقهور على وطنه صامدا..
قالوا لنا هاقد رحل، فأرحلوا وأريحونا! ولكن أينما يممت وجهك لا ترى سوى الموت والفساد، وهما ما ثرنا ضده أصلا، فمن الذي وصل، وإلى أين وصل؟!
شاء الله أن نتخلص من الخبث، لتصبح ثورتنا نقية كنقاء أرواح الشهداء. لم نشعر بالغربة، ولا باليأس، ولا بالتعب؛ فقد كنا نشعر بتأييد الله معنا، حتى يوم جاء أحد الرفاق يوما وهو مطئطئ لرأسه، وقال: قرار القيادة أن نبقى، وأن نثبت، وأن ننتظر الفرج! كلنا شعرنا أنه قلق من ردة فعلنا، ولكننا يومها ضحكنا كثيرا، لأننا أخذنا قرارنا بأيدينا أخيرا. لقد رحل الذين أرادوا سرقة الثورة من أيدينا، وصارت الثورة لنا..
الأيام التي أتذكرها بسرور عارم، هي: يوم أن سرنا ألوفا نطوف صنعاء في مرحلة التحذير، ويوم أن قال السيد القائد: “حذاري” في مرحلة التصعيد، ويوم أن فر الفأر من جحره في مرحلة الحسم، وهو يوم كنت اقسمت قبله بأعوام بأنني سأجعله يوم عيد، وبفضل الله أبر الله بقسمي وجعله عيدا لجميع الأحرار..
يومها أمسكت بندقي بيد مرتجفة، وخرجت من بيتي، ولكن لساحة أخرى.. قالوا لنا أن الأمن بات مسؤوليتنا، وأقسم لكم اني يومها ما كنت أعرف كيفية تأمين نفسي، فكيف بمنطقة كاملة؟! ولو كان للظروف من فضل، فهو انها جعلتنا نعتاد كل شيء، ونتحرك من الصفر. ولعل الظرف الأهم تمثل في بداية العدوان، وما مثله من تحدي، وتوجيهات القائد التي لم تنقطع عنا أبدا، والتي مثلت لنا مرجعا في كل تحرك حتى اليوم.
الحديث عن الثورة ذو شجون، ومن ظن أن الثورة أنتهت فهو واهم، فالثورة تأتي بالتغيير نحو الأفضل، ومرحلة الكفاح التي نعيشها اليوم ماهي إلا واحدة من المعارك التي يخوض غمارها الثوار لفرض أرادتهم على من يريد وأد الثورة، وغدا ننتهي منهم وننتقل لمرحلة البناء، وفيها ستتحقق معظم أهداف ثورتنا، او بشكل أدق ستتجلى فيها ثمرة كل المراحل التي مضت، وسيعرف الناس فيها قيمة التضحيات والصبر والمثابرة والثبات.
لشهدائنا الأعزاء الخلود، ولأسرهم ولكل الثوار الأحرار في هذا البلد العزيز ألف تحية، ولأولئك الذين ينتظرون أن ينظموا لنا من مستضعفين في مناطق أخرى نبعث برسائل الأخوة والتأكيد بأننا لن ننساكم، نبارك للجميع ذكرى الثورة، ونعاهدكم أننا مستمرون في ثورتنا حتى تحقيق أهدافها كاملة، ولو كره المنافقون والمعتدون والطامعون أعداء الله والبشرية والخير.. وهيهات منا الذلة.