العودة بعد الضياع !
إب نيوز ٤ ربيع الأول
عبدالملك سام
هون عليك يا سمير، ولا تقلق.. أنت صديقي منذ الطفولة، ويستحيل أن أذهب بك إلى مكان فيه أذى لك. أنا لا أحتمل نظرة الخوف في عينيك، فتوكل على الله، ولن يحدث لك شيء صدقني.. أنت مختفي في البيت منذ عدت، وقد طلبت رأيي وأخبرتك ألا خوف عليك طالما وأنت تريد أن تكفر عن التحاقك بصفوف العدو المجرم، وكل ما هنالك أنك يجب أن تخضع لتحقيق بسيط، ثم يفرج عنك، وأقسم لك.
من قال لك أن أنصار الله يأكلون البشر؟! هم بشر ويمنيون مثلنا، ولكن أراد الذين أستغلوك أن يرعبوك من فكرة التحدث معهم.. لماذا برأيك؟! حتى تقبل أن تقاتل يمني مثلك، فهم يعتبرونك أرخص من المرتزق الذي يأتي من بلد آخر! ومن الجيد أنك تنبهت في وقت قريب أن هؤلاء لم يأتوا من أجلنا، بل لإحتلال بلدنا، ونهب ثرواتنا.. أنت أخبرتني أنك شاهدت دلائل على هذا، وأن معاملتهم لك ولرفاقك لم تكن معاملة المشفق، بل الحاقد! ورأيت هؤلاء الحقراء كيف حاولوا أن يغرروا بنساء يمنيات، ثم كيف أعتقلوك لما عرفوا أن لك أخ يقاتلهم في الساحل الغربي.
من قال لك يا سمير أن هؤلاء الشرفاء سيجعلوننا نقبل ركبهم؟! هذا هراء، وما حدث في الماضي فلأنها كانت عادة لدى شعبنا زمان، وهنالك مقطع رأيته بنفسي يصور جنود مصريين وهم ينزلون من طائرة مروحية بإحدى القرى، وقد أستغرب الجندي عندما تهافت أطفال صغار على تقبيل ركبتيه! بالطبع لم يكن الجندي من هاشميا، ولم يكن الأمر مقصورا عليهم، بل هذه العادة كانت طريقة للتعبير عن الإحترام للكبير، مثلها مثل طريقة ركوع اليابانيين لمن يحترمونه او يعلوهم شأنا، ومثل ما كانت تفعل قبائل شمال أوروبا في الماضي عندما تلعق أيدي رجال الدين! كل هذه العادات أندثرت وصارت غير مقبولة اليوم..
نحن اليوم في القرن الواحد والعشرون، وهناك من يحاول أن يثيرنا ببعضنا على مبدأ الاحتلال البريطاني اللعين: “فرق تسد”.. ها أنا أمامك، وأقسم لك أنني لم أنحني لأحد يوما، ولم أجد من هؤلاء الثوار الأحرار سوى التكريم والأحترام، ولم أسمع بوجود فارق بين شخص وآخر سوى من الأشاعات الباطلة التي يتداولها الحمقى أحيانا.. صدقني يا سمير أن هؤلاء الأبطال ظلموا وأستضعفوا، ولذلك يستحيل على من ذاق طعم الظلم أن يرضى بأن يذيق الظلم لغيره.
لقد تواصلت مع أحد المجاهدين وشرحت له الأمر، وقد أكد لي أن الأمر لن يستغرق أكثر من عشرة أيام، تكون فيها ضيفا كريما، ودعني أؤكد لك – يا سمير – أنه ليس لدى هؤلاء أسلاك كهربائية ولا قناني خمر ولا ضرب ولا كلاب ولا حتى إكراه، فقد أزالوا كل الاساليب الوحشية واللاإنسانية التي كان يستخدمها النظام العميل البائد، بل أنهم – وصدق أو لا تصدق – يعتبرون التجسس عليك نوعا من الإنتهاك لكرامتك، وشيئا محرما في ديننا! فدع عنك هذا التوتر، وسترى أنك ستكون ضيفا كريما وعزيزا لدى أخوة لك.
بالطبع، لك أن تتوقع أنهم سيسألونك عن أسباب أنضمامك للقتال ضد بلدك وأبناء جلدتك، وعن أساليب إغوائك، وعن دورك، وعن أسباب تغييرك لرأيك؟! كلها أسئلة روتينية، ولك حق إخفاء ما تريد.. لكن أريد منك أن تسمع منهم اولا، ثم ليهديك الله للصواب، فبأمكانك أن تتساعد معهم حتى يستطيعوا أن ينتشلوا آخرين من حبائل كذب أولئك الشياطين، وهذه فرصة لتبدأ صفحة جديدة في حياتك.. صفحة نقية مع أبناء وطنك، لتكفر عما مضى.. فكر جيدا في كل ما رأيت، وفيما دلك عليه عقلك وضميرك، وأنا متأكد أن الله سبحانه ما يزال يحبك، فلا يوجد شخص شريف يرضى أن يقاتل في صف هؤلاء المجرمين الذين طالما كرهوا كل ما هو يمني!
ند عن سمير صوت مكتوم، فعرفت أنه يحاول ألا يبكي! ربما هو الخوف أو الندم، قريبا سأعرف سبب إنقباضه.. المهم الآن أنه لم يعد مترددا، وشعرت بيده تمسك يدي بقوة كطفل صغير حائر، وأكملنا طريقنا بصمت؛ فلم يعد هنالك ما يقال.. لقد أتخذ سمير قراره، وعاد، وهذا هو المهم.
….
*الأسماء في قصتنا وهمية، وأي تطابق في الاحداث والأسماء غير مقصود.. المهم العبرة قبل أن يفوت الآوان، وبإمكان من يريد أن ينسخ هذا المقال وينشره بأسمه لو أراد؛ المهم أن ننقذ من نستطيع من براثن المجرمين.. ودمتم بود.