هكذا تهيمنُ السعوديةُ والإماراتُ على القرار البحريني
قد يكون المرسوم الملكي الذي صدر في 23 أكتوبر 2022 والذي عدّل اللائحة الداخلية لمجلس النواب وأضاف عليها، بمثابة دعوة للبحرينيين سواء المعارضة أو الموالاة، للتأمل والتفكّر في مستقبل العملية السياسية القائمة في البحرين منذ العام 2002. إنه مرسوم يتناسب مع هذه الفترة التي تتهاوى فيها التجارب الديمقراطية العربية وتتم محاربتها خصوصًا في الخليج العربي. فوفق المعادلة القائمة على هيمنة السعودية والإمارات على القرار البحريني، تبدو مفاعيل هذا المرسوم الملكي متوائمة مع هذه الهيمنة المشتركة.
الرياض وأبو ظبي يعارضان استمرار البرلمانات المنتخبة في منطقة الخليج، فالإعلام السعودي قبل فترة قليلة كان يهاجم البرلمان الكويتي ويتهمه يتعطيل التنمية والمشاريع الاقتصادية في الكويت. والإمارات من جهتها غير مرتاحة من النموذج الكويتي الذي قد يكون تغييره أو تعطيله حاليًا أمرًا أصعب بكثير من النموذج البحريني.
في آذار/مارس الماضي نشرت مجلة “أتلانتك” الأمريكية حوارًا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سألته فيه بوضوح عن الملكية الدستورية. هل يمكن لهذا أن يحدث في مستقبل السعودية؟
وكان رد ولي العهد السعودي واضحاً: “لا، هذا لن ينجح، لن تنجح الملكية الدستورية، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة“.
ويمكن هنا التذكير بإحدى وثائق “ويكيلكس” رقم 06MANAMA1599 التي أشارت إلى “تطرّق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، خلال لقائه السفير الأميركي في 31 أغسطس 2006 ، ما يراه خشية السعودية من إصلاحات البحرين. ونقل السفير عن الملك قوله إن السعوديين ينظرون بقلق لخطوات الإصلاح الديمقراطي التي اتخذتها البحرين”. وفي وثيقة ثانية رقم 05MANAMA71 كان وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة أكثر وضوحاً في الحديث عن الموضوع حيث عزا جذور مرور العلاقات البحرينية – السعودية بصعوبات إلى “وتيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي في البحرين” مشيراً إلى أن “السعوديين لا يشعرون بالراحة لأنهم يتخلّفون”. وهو ما يفسّر من وجهة نظره “لماذا قامت السعودية بخطوات عديدة تؤثر سلباً على البحرين” بحسب الوثيقة.
وبالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة فإن آخر ما يمكن انتظاره من قادتها بزعامة محمد بن زايد هو الديمقراطية. فقد شنت الإمارات حربها ضد الديمقراطيات في تونس وفي مصر، ونجحت في وأد هذه التجارب بالشراكة مع السعودية. لذا فإن التجربة البحرينية – رغم سوئها الشديد – هي أسهل شيء يمكن الإجهاز عليه من قبل الرياض وأبو ظبي.
الملك من جانبه وضع مصلحته ومصلحة حكم عائلته في المقام الأول. وهو يرى بوضوح أن متطلبات الإقليم وتحديداً أهم عاصمتين داعمتين له، تحتم عليه إدخال البرلمان البحريني في حالة “الموت السريري”، ولذلك تمت عملية تهشيم أساسات العملية البرلمانية المتعارف عليها عبر هذا المرسوم الجديد، وتحويل البرلمان لمجلس شورى آخر لا أكثر ولا أقل.
منذ العام 2012 على الأقل، توصل الملك إلى قناعة بأنه ليس مجبرًا على المشاركة في أي قرار مع أية جهة شعبية، ويفضل المضي في مشاريعه وهندسته للبلاد وفق ما يراه هو والعائلة الحاكمة فقط، تماماً كما تفعل الرياض وأبو ظبي.
يمكن القول إنّ هذا المرسوم الصادر في 23 أكتوبر 2020، هو بمثابة إدخال العملية البرلمانية لغرفة العناية المركزة لا لأجل علاجها بل من أجل اختيار لحظة إعلان وفاتها رسميا. هي بالفعل لم تعد تناسب كلا الطرفين، لا الملك من جهة ولا المعارضة من جهة أخرى، وإنما باتت تناسب الطامحين والنفعيين الذين يبحثون عن الثراء السريع والمصالح الشخصية.
مع المرسوم الجديد، ينبغي النظر إلى ما يريده الملك بوضوح، فهو لا يترك مجالًا للتأويلات أو التفسيرات، إنه يعيد إنتاج البلاد انطلاقاً من سياسة التفرد بالحكم والإطباق الكامل على كل السلطات، مع عدم ترك أي مجال لأي خرق أو ثغرة ينفذ منها الشعب لا الآن ولا مستقبلا. ومع وجود قوانين العزل السياسي والتوسع في تطبيقه، يتحكّم الملك بالكتلة الناخبة وبعدها بالمترشحين، وصولا لبرلمانٍ وجوده وعدمه واحد. فهل ثمة عاقل يقبل أن يشارك في هذه المهزلة؟
بجرّة قلم ومرسوم ملكي واحد، أطاح الملك بمواد دستورية وجعلها حبرًا على ورق، بمرسوم ملكي واحد حوّل مجلس النواب إلى مجلس شورى ثانٍ.
المرسوم الملكي الصادر أمس الأحد 23 أكتوبر غيّر 15 مادة في اللائحة الداخلية لمجلس النواب وأضاف عليها ما يُنقصها.
منعًا للالتباس هذه التعديلات الجديدة هي غير التعديلات التي أقرها مجلس نواب 2018 في 20 أبريل 2020 حيث وافقوا على تقليص صلاحياتهم بشكل كبير، خصوصًا في مجال المناقشة للمواضيع العامة.
تعديلات الملك وإضافاته في اللائحة انتزعت صلاحيات بديهية من النواب، وأعطت صلاحيات واسعة إلى رئيس مجلس النواب وللحكومة على حساب المجلس. علمًا أن منصب رئيس مجلس النواب رغم كونه منتخبا إلآ أن الديوان الملكي يتحكم في تحديده للنواب بشكل مطلق.
هذه التغييرات عطّلت عمليًا المادة 32 من الدستور التي تنص على التالي “يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية”. بينما الملك في مرسومه انتزع صلاحيات من السلطة التشريعية وأعطاها للحكومة تارة، ولرئيس مجلس النواب الذي جرت العادة منذ العام 2002 على أن يكون دمية في يد الديوان الملكي كما رأينا في حقب: خليفة الظهراني، وبعده أحمد الملا، وفوزية زينل.
في اغلب المواد المعدلة اعطت صلاحيات اضافية لرئيس المجلس بعد ان كانت محصورة بالمجلس عبر تصويت النواب، فقد أعطى مثلًا رئيس المجلس حق اتخاذ الجزاءات في المنع من الكلام وحتى الطرد في حالة الإخلال من قبل العضو.
وعلى سبيل المثال، فإن المادة 102 في مرسوم الملك أعطت للحكومة الحق في إسقاط مشروعات القوانين التي لم يفصل فيها المجلس السابق بما فيها مشروعات القوانين التي تقدم بها أعضاء المجلس، بينما سابقا كان لها الحق فقط في إسقاط مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة نفسها، اما مشاريع القوانين التي تقدم بها أعضاء المجلس فهي باقية.
المادة 209 مكرر، هي مادة جديدة جاء فيها إذا كان العضو قد شغل وظيفة عامة وتخلى عنها بسبب عضويته في مجلس النواب فيجوز عند انتهاء مدة عضويته بانتهاء الفصل التشريعي إعادة تعيينه او توظيفه في وظيفة مماثلة لتلك التي تخلى عنها بسبب اكتسابه عضوية المجلس، بينما كان في السابق يجب إعادة العضو لوظيفته السابقة، لقد جعل التعديل الجديد هذه المادة بمثابة ورقة في يد الحكومة تستطيع بها معاقبة النائب على مواقفه، عبر حرمانه من عودته لوظيفته الحكومية.
كما أضاف الملك مادة جديدة في اللائحة، تنص الإضافة على التالي: إذا قرر المجلس الموافقة على سرية الجلسة يأمر الرئيس بسحب جميع الوسائل التقنية من الهواتف النقالة والأجهزة اللوحية أو أية وسائل أخرى من الحاضرين في الجلسة لضمان عدم الإخلال بسرية الجلسة أو تسريب أية معلومات بشأنها، ويلتزم من حضر الجلسة السرية بعدم إفشاء ما جرى فيها بأي وجه من الوجوه.
تعديلات الملك ألغت عمليًا قيمة الفصل الثالث من الدستور، وهو الفصل الخاص بالسلطة التشريعية، صحيح أنّ مجلس النواب مجلس يتم اختيار أعضائه عبر عملية تصويت وهي غير نزيهة بالمناسبة، إلا أن المحصلة التي هندستها تعديلات الملك، جعلت مجلس النواب مشابهًا لمجلس الشورى، مجلس لا يستطيع تعديل لائحته إلا للوراء والتنازل عن صلاحياته، ثم يأتي الملك ويسطو على بقية الصلاحيات ويجعل النواب مجرد (رجال) ونساء يجلسون على مقاعد المجلس دون صلاحيات ودون سلطة وقدرة لا على محاسبة الحكومة ولا مسائلتها، نواب تم تعديل لائحتهم لجعلهم كالتلاميذ أمام رئيس المجلس.
* الخنادق