بُسطاء نحن!

إب نيوز ٦ جمادي الأولى

خديجةالنعمي

ذاك الشيء الذي يسمونه تطور، تلك البنايات الإسمنتيه العالية وتلك الأرصفة المليئة بالوجوه العابسة والعابرة لم أجد هناء أي تفصيل من التفاصيل الحياتية الجميلة، وطئت قدماي تراب مدينتين اثنتين ضحيان بصعدة، وصنعاء العاصمة ، لكن ثمة شيء بقي يشُدني لتلك القرى البسيطة هدوء صباحاتِها النقية والبعيدة عن تلك الضجة المُميتة، تلك المجتمعات التي تحوي عدد قليل من الناس جميعهم نعرفهم وجميعهم نسلِّم عليهم ونتحدث إليهم بكل محبة وود.

قطرات ندى الصباح الهادئة وتلك الأشجار العالية وغصون تتراقص على أنغام موسيقى الصباح، ذاك الناي يعزف بهدوء لتتمايل معه أشجار حيّنا فرحاً وكأنه إعلان نزول غيث هنيء بكل زاوية من زوايا الحياة بالريف،وكأنه موعد أذان وتسبيحات بالذات وقت هادئ ودعواتٍ تُرفع بأي مكان ولا تُعِرْ بالاً للزمان، گـ قرآن يتلى ليعيد الحياة لكل شبر من أرض تُشعرك بالسعادة والسلام في كل نفس تتنفسه.

ورويداً رويداً تجد الناس تغادر منازلها بحثاً عن الرزق ليتشاركوا صباحاتِهم مع مزارعهم التي يعملون بها وإن دقت السابعة أجراسها ومازالت بمنزلك فأنت شخص كسول ولانفع منك في نظرهم!!
حياة ملئها النشاط والإرادة والعمل والجد منذ الصباح وحتى المساء،بحثاً عن الرزق والحياة،مع تلك الأهازيج التي تنطلق من كل مزرعة طمعاً في أن تخفف عنهم شيء من التعب والإرهاق وهم يقَّلِبون تربة الأرض في تلك المدرجات الزراعية الممتدة في المدرجات الزراعية الشاهقة الارتفاع.

كنا تعودنا على أن نستيقظ صباحاً منذ الرابعة فجراً نصلي ونُعد الإفطار ليفطر الجميع لنذهب إلى الحقول لكنهم لم يسمحوا لي بذلك وبقيت أذهب للمدرسة كل يوم وفي أيام العطل كنت أحاول أن أقنعهم جاهدةً بالذهاب لكنهم لم يسمحوا لي أيضاً ففي الإجازة يجب أن تذاكري هكذا كانت تقول لي أمي دائماً،
ذاك الشيء الذي حُرِمت منه هم لم يسمحوا بأن يحصل لنا كما حصل لمن سبقننا أرادوا أن نتعلم فقط وأن نركز انتباهنا على ذلك دون غيره، كنتُ أشاهد فتيات قريتي وأبتسم لهن وأتحدث معهن لكنني لم أستطع أن أقوم بما يقمن به يوماً.

صحيح أنهم لم يسمحوا لي أن أذهب مثل بنات قريتي إلى تلك الحقول المتناثرة والجبال العالية بحجة أنه يجب أن تركزي على دراستك ومذاكرتك؛ لكنني كنتُ عنيدةً جداً حاولت ولكن ذلك الجسم الضعيف وغير المعتاد لم يسمح لي أن أكن مثلهن، أذهب وأغدو وأقوم بكل تلك الأعمال التي يقمن بها ذلك الحب والدلال الذي إعتدته من أسرتي حرمني من كثير من تلك المتعة التي يشعرن بها من يقمن بتلك الأعمال التي يقولون عنها متعبة هي صحيح متعبة لكنها بقيت جزء من تلك التفصيلات التي كنت أحبها وأسعى جاهدةً لمشاركة تفاصيلها مع نفسي.

على سبيل المثال كنت أود أن أشاهد زرقة السماء المنعكسة على حواجز المياه المترامية الأطراف وكأن السماء نزلت في نزهة إلى الأرض،
أن أقتل لحظات الملل مع الفراشات ومشاهدتها مع تفصيلات الوجود الهادئ الذي يشبة جنة غناء تشعرك بالسعادة والرضاء، أن أجمع شيء من حشائش الأرض بيدي،وأن أشتم عبير تراب الأرض الريفية والمسه بسعادةٍ غامرة الكيان والوجدان،وأن أكتبَ وأنا أجلسُ بِتلك المساحاتِ الحضراء، وأسطرُ شيئاً من أحرفي التي اعتدتُ كتابتها عندما يخطر هاجسها، والتي هي شيء من نسج الحياة،والتي مللتُ كتابتها على أريكة منزل بأرض المدينة المليئة بالجدران الإسمنتية التي تحيطني من كل مكان لكنها أمر واقع وياللأسف!!

جميلٌ أن تحتسي قهوةَ الصباحِ وأنتَ تنظرُ لِتلك المساحاتِ الخضراءِ النظِرة أن تداعب أغصان الأشجار المتراقصةِ التي تحيطكَ من كل اتجاه
في منزلنا بريفنا الجميل كان لنا مساحات حضراء جميلة وشجيرات جميلة من كافة النواحي والزوايا والاتجاهات، لكننا ودعناها ذات نهار وسيبقى الحنين لحين العودة واللقاء.

#كاتبات_واعلاميات_المسيرة.

You might also like