من قصص الخالدين: أحِن لملامح أخي..
إب نيوز ١٧ جمادي الأولى
د. أسماء عبدالوهاب الشهاري
كان هو وأصدقائه يتسلقون الجبل، لكنه أنهكه التعب وأخذ منه مأخذه.! حيث وأنهم على هذه الحال منذ فترة طويلة..
وأثناء ذلك وجد جرفاً فدخل إليه ليرتاح لفترة قصيرة فقط، لكن النوم أخذه دون أن يشعر. وعندما استيقظ لم يعد هناك أحد من أصدقائه.
ناجى الله بقلبه أن يهديه وجهته ثم قرر أن يستمر في المضي قُدماً.
رمى بحقيبته وحذاءه إلى الجهة المقابلة من الجبل، والتي كانت تحتها هوة كبيرة؛ حتى يتمكن من القفز إلى الجهة الأخرى، كان يقفز من مكانٍ لآخر تارة.. ويمشي على أطراف أصابعه تارة أخرى.
وفجأةً.. انزلق على ظهره…!
وكاد أن يصل إلى الحافة التي تحتها هوة أو هاوية إلى الأسفل لولا لطف الله به. كان ينادي كثيراً علَّ أحداً يسمعه ويعلم بمكانه ليساعده، لكن.. دون جدوى.!
فصدى صوته هو الوحيد الذي كان يرد عليه.
وعلى الرغم من الوضع الصعب الذي كان فيه إلا أن قلبه المؤمن كان واثقاً من أن الله سيتولى أمره برحمته ويفرج كربه بمنته.
ها هو أخيراً يستمع إلى صوت حركة في الأعلى، تمالك قوته وأمسك ببندقيته وقام بإطلاق النار في الهواء ليهتدوا إليه.
وبحمدالله.. أخيراً تمكنوا من الإهتداء إلى مكانه. ثم قام أحدهم بالنزول بحذر إلى حيث هو، ومد يد المساعدة له، إذ أنه لم يكن من الممكن أن يتسع المجال لأكثر من شخص واحد.
آه.. لقد نجا أخيراً، صحيح أنه تقلعت بعض أظافر قدمه وأصيب ببعض الجروح الأخرى. لكن الحمدلله أن أصدقائه استطاعوا أن يعثروا عليه.
ربما قد يتبادر إلى أذهان البعض أنها قصة من بنات أفكاري أو أنها كانت مغامرة لمجموعة من الشباب في نزهة ما.!
لكن في الحقيقة أنها قصة واقعية لمجموعة من المجاهدين العظماء والذين لا تخلوا صولاتهم وجولاتهم من الكثير من المغامرات، والتي قد تكون هذه إحداها. لأنهم بذلوا أنفسهم وأرواحهم لله وفي سبيله ولأجل عزة الوطن والمستضعفين، لذلك فهم لا يبالون بكل ما يتعرضون له وهم يخطون خطاهم الواثقة نحو العلياء.. ونحو السماء..
إن بطل قصتنا هذه هو الشهيد: رشاد خالد عبدالله الحوثي(أبو هاشم)
تاريخ الإستشهاد 16_12_2015م_ مأرب
لم تكن هذه القصة هي الوحيدة التي تحكي عن بطولات رشاد أو عن ما تعرض له في مسيرته المقدسة نحو حلم حياته ألا وهي الشهادة، أو عن الجراح التي تعرض لها المرة تلو المرة والتي لم تكن تزيده إلا عزماً وإصراراً على مواصلة المسير في طريق الأولياء والأصفياء.. ومن اختاروا لأرواحهم أن تحلق حرةً سعيدةً في أركان السماء..
أصيب رشاد بإصابات مختلفة في أكثر من مواجهة.. لكنه لم يسمح لأي منها في أي مرة مهما بلغت أن تعيقه أو أن تأخره عن تأدية واجبه الجهادي، والذي لم يكن يرى لنفسه أي عذر حتى ولو كانت إصابات بالغة وخطيرة في أن يتأخر عن تأديتها، بينما قد يقعد الكثيرون من المخلفين في بيوتهم دون أي عذر ومهمتهم الوحيدة هي كيل التهم والإفتراءات لمن يتسامون على جراحاتهم ويبذلون أرواحهم رخيصة في الدفاع عنهم وعن أعراضهم وكرامتهم أمثال الشهيد البطل رشاد.
كان رشاد طيب القلب جداً، ولا يعرف الحقد أو الكره طريقاً إلى نفسه.
سريع الرضا.. متسامح.. يبذل كل ما بوسعه للإصلاح بين المختلفين، سواءا أكانوا من أقاربه أم الآخرين.. كريم جداً.. كما كان ذكياً في دراسته، ومن هواياته هندسة وإصلاح الأشياء.. وقد كانت والدته تتوقع أن يصير مهندساً في المستقبل.
كما كان مرحاً وحنوناً جداً مع أهله وجميع من يعرفه وخاصةً شقيقه الأصغر الذي لم يتجاوز الثمان سنوات.
مسيرة حياتية مليئة بالإيمان والجهاد. وجه يعلوه النور ويكسوه السرور. هكذا كانت حياة المجاهد الخالد رشاد.. فالشهداء.. هم من ذهبت عنَّـا أجسادهم لكن أطياف أرواحهم ترفرف حولنا و تشِّع نوراً و ضياءاً ينير لنا الدروب لِنُكمل مسيرة النصر المنشود.
ربما لنا أن نتساءل كم هي المرات التي أُصيب فيها شهيدنا العشريني والذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، لكي نقترب منه أكثر ونتعرف على حقيقة تضحياته وبذله.
و ربما أيضاً أننا لن نستطيع أن نتطرق لها كلها لكننا سنطوف على البعض منها، لنعرف أن كل أمان وكل كرامة نحيا بها وفي ظلها هنا أو هناك وراءها رجال بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ عظيمة وقيمٍ نبيلةٍ سامية.
ذات ليلة في إحدى الجبهات عندما كان رشاد ورفاقه المجاهدين فوق الطقم وأثناء إطلاق النار عليهم تسبب ذلك في انفجار البندقية وتطايرت منها شظايا، وأصيب رشاد في رأسه ورجله.
وقد أصيب في إحدى المواجهات بشظايا في أذنه كما أن سمعه كان قد تأثر من كثرة الهاونات والصواريخ التي كانت تسقط قريباً منه أثناء المواجهات في الجبهات.
والعديد من الإصابات والجراحات تعرض لها بطل قصتنا لعل أبرزها في جبهة مأرب عندما دخلت شظية حارقة من بطنه واخترقت الأمعاء الغليظة والكبد والذي استأصلوا جزءاً منه فيما بعد وأدى ذلك إلى أن نزف أربع لترات من الدم واستمر النزيف لمدة أربع ساعات، لكنه كان قوياً جداً، وظلَّ محافظاً على هدوئه وتركيزه ولسانه لا يفتئ عن التسبيح والذكر حتى تم إسعافه إلى صنعاء، وعندما وصل إلى المشفى أخبرهم بإسمه وقد أصابت الطبيب الدهشة وملأته الرهبة معجباً ومتعجباً من ثباته وصلابته.!
حزن رفاقه لإصابته، وقالوا: لقد أُصيب من كان يُسعفنا فمن سيسعفنا؟
وعلى الرغم من جراحاته العميقة وإصاباته البليغة إلا أن رشاد لم يتحمل بقاءه بعيداً عن ساحات البطولة والتي اعتادت نفسه على استنشاق هواءها التي تفوح منها عبق الحرية.. وروحه على التحليق بين جنباتها زاكيةً بشموخ في صولات العزة والكرامة.
حتى بعد أن جرح لم يتوقف عن الأعمال الجهادية في صنعاء ومنها توزيع الأغذية لأسر الشهداء.
وبعد شهر، وعلى الرغم من توصيات الأطباء له أن يلزم الفراش نظراً لحالته الصحية الحرجة بعد الإصابة التي تعرض لها، إلا أن المجاهد البطل عاد إلى الجبهة. لكن أصدقاءه المجاهدين منعوه لِما يعلموا من إصابته، فلبث قليلاً ثم عاد للعمل في إيصال المدد للمجاهدين في الجبهات.
لطالما تحدث الشهيد عن حياة الجهاد وأنَّ لها لذة لا يفوقها شيء في هذه الحياة، وعن الأواصر الأخوية التي بين المجاهدين.
وكم جمعته بهم من روحانيات واقتحامات وبطولات..
ولكم كان يعتصره الألم عندما يصاب أحد رفاق دربه أو يسبقه إلى النعيم المقيم، لكن والدته المؤمنة كانت تواسيه دائماً وتخبره أن الله لم يختارك بعد لأنه لازالت هناك أعمال يريد منك أن تُأديها.
وربما أن بطل قصتنا سيصل إلى تحقيق حلمه أخيراً ويلحق بركب من أنعم الله عليهم مع النبيين. فها هو قد عاد مقاتلاً في المفرق ( بين الجوف ومارب) وكانت هناك زحوفات كبيرة جداً تصدى لها مجموعة قليلة من رجال الرجال المؤمنين الصادقين كان الشهيد من بينهم. وهذه الزحوفات كان يروج لها العدو إعلامياً بشكل كبير ومن فترة طويلة حيث كان يريد العدو دخول صنعاء من جهة مأرب وكان أول زحف كبير وقت الفجر يوم الأربعاء 16_12_2015.. لكن تصدى له الصادقون الأوفياء. تصدوا بأجسادهم وأرواحهم له، وحالوا بينهم وبين أوهامهم وأحالوها إلى رماد تم ذرأه في عيونهم. ليعلموا أن صنعاء أبعد عليهم من عين الشمس. فارتقى الكثير منهم إلى السماء كان من بينهم المجاهد العظيم رشاد كما أُسِر منهم الكثير.
وأما عن شعور أسرته فهي من الأسر المجاهدة المنطلقة فقد تقبلت الأمر بكل رضا وصبر وفرح ممزوج بألم الفراق.
تقول والدة الشهيد:
لم اتفاجأ لأني كنت متوقعة، والأم تحب لإبنها أجمل وأفضل الأشياء ولا يوجد أحسن ولا أفضل ولا أشرف مما وصل إليه ابني الغالي، لم يعد هناك تعب أبداً.. الله يجعلها راحة أبدية ويلحقنا بعده صالحين.
وتعقب شقيقة الشهيد على كلام والدتها وهي تشعر بفخر كبير بشقيقها الشهيد و والدتها :
أمي من الأمهات الصابرات والمحتسبات وبعد استشهاد أخي انطلقت أكثر فقد احتسبته لله.
نعم لقد صبرت وثبتت وأعطت رسالة كيف تكون أمهات الشهداء وأعطت درساً قوياً ورسالة قوية للأعداء، وقد انطلقت في الأعمال الجهادية بشكل أقوى وشاركت في أشياء كثيرة بنفسية مرتفعة.
رسالة أم الشهيد:
الشهادة هي نعمة للأبناء والأمهات أيضاً.. وبإذن الله نرتقي بأنفسنا وأعمالنا، فمن الضروري أن نقدم ونعطي ونسير على خطاهم وعلى مسيرتهم وعلى طريقهم ونهجهم لكي نصل إلى نفس المرتبة التي وصلوا إليها.
وأتمنى لو أن معي عشرة أبناء أو أكثر لأقدمهم ولو كان ولدي هذا كبيراً فإني كنت سأقدمه في سبيل الله والوطن، لأنها مسيرة عزة وشرف وكرامة ونحن بحاجة إليها وأتمنى من كل أم أن تجعل ابنها يسير في نهج هذه المسيرة.
رسالة أخت الشهيد :
رسالة لرشاد: أن يدعي لنا لأنه حي.. بالصبر وبالنصر.. وأن فراقه عزيز ولو عاد فإن هناك أشياء كثيرة كنت أعملها لن أعملها وأتمنى خدمته بعيوني. لذلك أقول لكل أخت أن تنتبه لأخيها.
كما تقول: وفاءًا لهم ولدمائهم الطاهرة سوف نسير على نهجهم ونثبت ونقدم كل ما نقدر عليه ونرفد الجبهات بكل ما نستطيع لأنهم كلهم أخوتنا وسنخدم المجاهدين، وسوف نقوم أيضاً بكل ما نقدر عليه من أعمال ميدانية ونسأل الله الثبات والهداية والسير على خطاهم.