أبو ذر والطابور الخامس!
إب نيوز ٨ شعبان
عبدالملك سام
(أبو ذر) لا يعرف لماذا يريد البعض منه أن يكون دوره التوعوي قاصرا على الإنكار وعلى طول الخط مهما كان حجم المشكلة كبيرا؟! أي أن يظل يقول أن هذا لا يحصل، وهذا مفبرك، وهذا عمل مصدره الطابور الخامس، وهذا خبر مبالغ فيه، وفي أفضل الأحوال يطلب منه تأجيل شكواه إلى أن ينتهي العدوان دون أن يفهم لماذا!
(أبو ذر) – كما قيل له بأنه – رجل لا يفهم فنون السياسة، ورغم أنه يرى “الفنانين” وهم يثبتون بأنهم أغبى المخلوقات، وأن أفعالهم أدت إلى المزيد من الكوارث، إلا أنهم مصرين على أن التغاضي عن الفساد سياسة! وأن الوقوف في وجه الفساد سيفتح لأبواق العدوان (ثغرة)، ورغم أن سياستهم هذه ملأت الدنيا علينا بالثغرات، ولكنهم رغم هذا يرفضون أن يسمعوا أو يروا الواقع!
الحقيقة التي يؤمن (أبو ذر) بها هي أن الحرص على إستقرار الأوضاع الداخلية يجب أن يكون بإيقاف الفساد والتجاوزات لا بإنكارها، وفي الماضي وحتى اليوم لم تقم قائمة لأي نظام في أي دولة إلا بحد معقول من القوانين التي تسري على الجميع دون إستثناء، ولو بدرجة مقبولة تضمن حقوق الناس، وهذا ما حاول أن يرسخه رسول الله (ص) في خطبة الوداع عندما أكد أنه لا يمكن لأحد مهما كان قريبا منه أن يتجاوز عنه لو أقترف خطأ مهما كان صغيرا أو كبيرا..
قال لهم (أبو ذر) بأنه حتى المغول الذين حكموا إحدى أكبر إمبراطوريات العالم لمدة تجاوزت الستة قرون، فرغم سمعتهم السيئة، فهم لم يكونوا قادرين على الإستمرار طوال هذه المدة لولا أنه كان لديهم قانون يسري على الجميع دون إستثناء، حتى أبناء الإمبراطور نفسه، ولو وفق مبدأ (المساواة في الظلم عدالة!).
يسألهم (أبو ذر) بحرقة عن ما هو المسيء في فضح فاسد ما طالما وهو أمر يمكن إثباته؟! على العكس فهذا أولا مساهمة للحكومة في إيقاف الفساد وتخويف المفسدين، وثانيا هو علامة صحية على وعي المجتمع الحر الذي يعمل بمبدأ “التناصح”، وثالثا يعتبر هذا الأمر من الأسباب التي تقمع الإختلالات وتقلل عدد المظالم بحيث يكون المجتمع مستقرا، ولكن لا أحد يحب أن يسمع كلام (أبو ذر).
(أبو ذر) مع شرط وجوب إظهار الدليل على كل شكوى، ولكنه أيضا مع التفاعل بمسؤولية ومباشرة بعد تكلف أي الشخص صاحب الشكوى عناء البحث عن الدليل، خاصة وإن هذا الأمر هو الذي يشكوا منه معظم الناس، وقد سمع (أبو ذر) هذا الأمر من قيادات في الصف الأول وهي تدعوا لأن يفعل الناس ذلك، فهل هذه القيادات مع الفوضى؟!
(أبو ذر) يؤكد نجاعة أن يقوم المسؤول لدينا بالتخفي والنزول الميداني للتأكد من صحة ما ينشر، وأن يتم الإعلان عن محاسبة من يثبت تقصيرهم ((بسرعة وشفافية)) حتى يصبح الفاسد عبرة، وبهذا سنجد أن الأمور ستستقر في وقت قصير وبأقل تكلفة.. أما طريقة (اللجان) المتبعة حاليا وما تأخذه من وقت فقد أتضح لنا جميعا أنها ساهمت في نشر الفساد وكثرة الظالم!
أخيرا.. أرجو مراجعة فكرة أرقام الشكاوى التي تدعو للتعجب؛ فكيف لموظفين خاضعين لسلطة مسؤول ما أن يحاسبوه على تقصيره؟! ويكفي أنها منذ إنطلاقتها وحتى اليوم ونحن لم نشهد تراجعا للفساد، وبإستثناء الرقم الخاص بوزارة الداخلية التابع لمكتب الوزير مباشرة، لم نجد أي نتائج ملموسة لهذه الخدمة التي أثبتت عدم جدوائيتها!
يرى (أبا ذر) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبنا جميعا، ويجب أن يشكر من يمارس هذا الحق وفق الأسلوب المقبول والمؤكد عليه، ولا يجب أن نجعل من يحاول أن يصلح الأمور يخاف ويقلق من شكواه، أو أن نلقي عليه باللوم ونتهمه بالخيانة، وإلا لكان (أبا ذر الغفاري) يستحق النفي للمرة الثانية في عصرنا هذا، لأننا بتنا لا نستطيع التفريق بين المؤمن الحريص وما يسمى الطابور الخامس!!
…
*وصلتني شكوى من أحد القراء يشتكي بأن هناك بعض المحصلين الذين يقومون بتخيير المكلفين بين دفع مبالغ تحت الطاولة، أو دفع مبالغ أكبر بسند رسمي!! هذا الفعل الفاسد مما يفتح علينا الثغرات حقا، ولو كانت هناك آلية رقابية ناجحة لما تجرأ هذا الموظف على الخيانة، أليس كذلك؟!