أعياد الشعب الحر
إب نيوز ٢٦ رمضان
عبدالملك سام
بدأت أكتب عن يوم القدس فجاء موضوع عودة الأسرى، فوجدت نفسي أمام مشاهد عودتهم العزيزة أكتب عن هذا الموضوع، وجائت أخبار عاجلة من السودان، البلد العربي الأسير بأيدي حكامه المرتزقة والأنظمة العربية العميلة إياها، فإذا بي أميل للكتابة عن هذا الخبر خاصة والمليشيات المتناحرة من جنجويد وصعاليك، هي ذاتها التي أتت إلى اليمن لتقاتل بالنيابة عن آل سعود كمرتزقة، وقد رأيت في الأمر عدالة إلهية قد تتطور إلى زوال الطرفين الخائنين لشعوبهم وقضايا الأمة.
وللمرة الثالثة أكتب نصف مقال ثم يحدث أمر طارئ؛ فقد توالى وصول الأسرى الأعزاء بما في ذلك من مشاهد تدمع العيون وتثلج الصدور.. ولساعة كاملة وأنا متردد أمام نصف المقال الذي كتبته للتو، وسيل الأفكار ما زال يتدفق، ونحن في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل، والناس مشغولون بالعيد ومتطلباته، وهناك من هو مشغول بربه وآخرته، والجو العام لا يشجع على القراءة، وأي كاتب يحترم نفسه سيتردد في كتابة مقال في هذا التوقيت، لذا قررت ألا أكتب شيئا!
ما أذهلني، وجعلني أعدل عن رأيي، هو التفاعل الكبير الذي أبداه الكثيرون منا مع موضوع عودة الأسرى، وكلما شاهدت أو عرفت قصة واحد من هؤلاء العظماء وجدت أنها قصة تستحق أن تروى، أي أننا أمام أكثر من 700 قصة عظيمة تحكي عن الكرامة والمعاناة والصبر والثبات، وكم حاولت جاهدا أن أكفكف الدمع، أو أمنع نفسي من اظهار تأثري أمام هذه المشاهد المفرحة والمحزنة في ذات الوقت، ولكني لم أستطع سوى أن أستسلم للمشاعر الإنسانية وأبكي بحرقة، وعندما أتلفت لأرى ردة فعل من حولي على موقفي هذا، وإذا بهم يبكون كما أبكي..
هل بمقدوري أن أتكلم عن نظرات اللهفة في عيون المنتظرين لوصول الطائرات التي تحمل الأسرى؟ أم هل أستطيع أن أصف مشاهد لحظات لقاء الأسرى بذويهم وأقاربهم؟ أم هل يمكنني أن أعبر عن المشاعر التي أحاطت بالمطار من جميع الأنحاء؟ لا توجد لغة تستطيع أن تكتب ما يشعر به الجميع في تلك اللحظات، وقد ظهر هذا جليا في كلام كل من استطاعت مئات الكاميرات أن تصل لهم على أرض المطار، فالجميع عجزوا عن التعبير عما يجيش في صدورهم، وفي الاخير أستسلموا للغة الدموع التي قالت ما عجزوا عن قوله!
اللافت – أو الملفت – للنظر ما سمعناه من الأعزاء أنفسهم، فلو أنهم ترددوا قبل أن يقولوا ما قالوه لما كان هناك من يلومهم، ولكنهم أثبتوا أنهم عظماء لدرجة تشعر الواحد منا كم هو ضئيل أمام عزم وبطولة مجاهدينا العظماء، وأثبتوا أن سني الأسر لم تزدهم إلا إيمانا وعزما، ورأيناهم يتحدثون عن عزمهم الذي لا يلين بأن يواصلوا رسالتهم وجهادهم، وليثبتوا أن الحرية جزء من تكوينهم، فلا الأسر أستطاع أن يخمد جذوة الحرية في صدورهم، ولا السجن قادر على أن يفل عزيمتهم.
كل مجاهد قصة حرية، وكل أسير حكاية عز وكرامة وصبر وجهاد، وكل حرف كتب وسيكتب ليروي جزء من سيرتهم بحروف من ذهب لا يمكن أن يعبر عن جزء يسير من عظمتهم.. عودتهم بعثت الأمل في صدور اليمنيين وزادت من عزمهم واصرارهم على إكمال ما بدأوه، كيف لا ونحن نرى نماذج للشموخ والإباء الذي لا ينكسر؟! ولولا بقية من الأسرى الذين لا يزالون في أيدي الطغاة لكان هذا اليوم جدير بأن يكون عيد للنصر، وكم نحن سعداء وممتنون لله بهذه النعمة العظيمة، وفي هذه الأيام المباركة.
عن نفسي، ومثلي الكثيرين، أحمد الله على عودة أسرانا الأعزاء، وليحفظ الله قيادتنا وكل من شارك في رسم السعادة على محيا أسر العائدين وكل يمني، وجعل من عيد هذا العام عيدين، وبإذن الله عما قريب سيثلج الله صدورنا، ويعوض صبرنا بالنصر المؤزر بفضل الله القوي العزيز، وبعودة جميع أسرانا، ونيل حريتنا، لنبدأ بناء مستقبلنا الذي نستحق عن جدارة، وليعود اليمن سعيدا من جديد.. فهنيئا لكم يا شعب اليمن الأنصار هذا العيد.
…
* “إنشاء الله ميادين الشرف والعز.. إنشاء الله نرجع لها (الجبهة)، وندخل عدن”.. هذا ما قاله بشموخ أحد الأسرى المحررين وهو لا يزال في قبضة المرتزقة!
هذا نموذج واحد من نماذج مجاهدينا الأعزاء، فلا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تخضع هذا الشعب العظيم المؤمن، والقادم أعظم..