رقابة أم تحريض؟!
إب نيوز ٢٢ ذي القعدة
عبدالملك سام
لا أعرف من الذي دلس على القيادة بأن كل من يناقش أو ينصح الحكومة ليس إلا جاسوس ملعون وطابور خامس، وأن أي تشكيك في جدوائية القرارات الحكومية هو تشكيك في حكمة القيادة نفسها! أو بالأصح أنا أعرف، وأنت تعرف، والجميع يعرف من هو المدلس والمستفيد حقا..
وحدها القيادة – كما يبدو – المحاطة بالأبواب والحجاب، غارقة في الهموم بعيدا لا تجد وقتا لمعرفة ما يجري، وبات الناصح الصادق يحسب ألف حساب قبل أن يتكلم بحرف من رأيه، وغالبا فهو لن يتكلم حتى لا يوضع في خانة المشكوك فيهم والضالين، بعد أن تم إسكات معظم منابر النقد والتوجيه، حتى الحكومية منها!
الحكومة أعجبها الموضوع، وبدل أن تأخذ الإنتقادات على محمل الجد فتسمع وتناقش وتبحث وتعالج وتصحح، وجدت أن أبسط حل هو أن تقمع صاحب الرأي قبل أن يتكلم، وهو أمر لا يحتاج جهدا كما ترى، وبالتالي فقد عادت العجلة تدور كما كانت في الماضي: بالبركة! وتكفي النوايا الحسنة هنا، ولينتظر الجميع الفرج من السماء!
هناك مغالطة مفادها هو أن ما يتحقق من تقدم بطيء هو نتاج رشاد وفاعلية الحكومة النائمة في دعة، ويتناسى مسئولينا الموقرون بأن أسباب التقدم لم تكن القرارات التي لم تطبق، بل أن السبب يعود لهروب أعمدة الفساد التي كانت تنهب 90% من ميزانية الدولة، وأن جلائهم لوحده كان كفيل بإحراز تقدم في كل المجالات التي كانوا يستنزفونها، وأن الحكومة لو تحركت كما يجب وتركت التسويف والتسخيف لكان الحال اليوم أفضل مما نراه اليوم، ولكان الأمر أنعكس إيجابيا على كل الجبهات الإقتصادية والعسكرية والسياسية.
هناك حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، ألا وهي أن دور الحكومة أنعكس سلبا من التأثير إلى التنفير، وأن التفاؤل الذي شعر به الشعب اليمني بعد زوال كهنة المعبد، إنقلب إلى تشاؤم بعد أن تم الإستعانة بكهنة المستوى الثاني في النظام السابق، وتحت ذريعة التعايش تم الإيعاز لمن كانوا سببا في المشكلة لحل المشكلة! وبالتالي رأينا كيف أن مشاكل الماضي تتكرر، ومن الغباء أن يكون هناك من توقع نتائج آخرى غير التي نواجهها اليوم طالما وأننا خضنا التجربة بذات العقليات!
كنا في الماضي نشكو من أن النظام السابق أنه لم يكن يسمع للرأي الآخر، بل أنه كان يقول مغترا بسطوته: (لا أريكم إلا ما أرى)، وإلا ما كانت نهايته كما رأينا كلنا.. اليوم تتكرر الأخطاء، وهذا دليل أن العقلية التي كانت تدير الدولة عادت لسلطتها وإن كانت تحت قيادة وجوه جديدة طائعة لهم، ولذلك فمن الطبيعي أن نواجه ذات الإنحدار، واليوم نسمع دلائل على هذا الواقع من شعور غالبية الناس بأن الخطأ ليس في النهج بل فينا نحن اليمنيين، وأننا سنظل ندور في مكاننا مثل جمال المعصرة! وإلى أن نعترف بأهمية أن نسمع من بعضنا البعض دون تخوين أو تهوين.. نسأل الله السلامة.
لا مهرب من مواجهة الحقيقة، ويجب التفريق بين النصح والتحريض، ويجب إتاحة الفرصة لوجود النقد البناء، وهذا يضع أمام القيادة عدة خيارات، أهمها: أن يتم تفعيل الرقابة بشكل جدي وبعيد عن أي تأثير حكومي على عملها ونتائجها، أو إنشاء تيار موازي قادر على منافسة التيار القائم ومراقبته بما يؤدي لتفعيل الرقابة الحكومية الذاتية خوفا من الفشل.. أما الأمر الذي لابد منه هو إعادة النظر في طريقة التخطيط الحكومي المزّمن والواقعي، وطريقة التنفيذ؛ فكما هو معروف فإن الفشل في التخطيط هو تخطيط للفشل.. والله من وراء القصد.