السهل الممتنع 1 الكائن الأعزب
إب نيوز ٥ ذي الحجة
عبدالملك سام
من بين كل الانتقادات التي كنت أسمعها من المبلبلين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، لم يكن يستفزني موضوع مثل إنتقادهم لمشروع العرس الجماعي الذي تقيمه هيئة الزكاة كل فترة؛ وكأن الشخص الأعزب ليس مستحقا للمعونة والمساعدة، رغم أن الضغط النفسي الذي يعاني منه العزاب في هذا الزمن يفوق كل أساليب التعذيب التي تم أبتكارها في جوانتانامو!
شريحة العزاب، وما أدراك من العزاب؟! ولو كنا نسينا فلنعد بذاكرتنا إلى تلك الفترة العصيبة التي مررنا بها كلنا، ولنتذكر الزمن الذي بدأت فيه تلك التغيرات الفسيولوجية بالظهور، وبدأت فيه تلك الأسئلة الوجودية التي لا اجابات لها تتكرر، وبدأ الشاب يلاحظ أن هناك قمر في السماء فيظل يراقبه لساعات دون هدف، وبداية السهر والوجوم لساعات، وحب الشباب الذي يحيل الحياة جحيما، وهوس الفضول، ورهافة الإحساس، والميل لتجربة كل شيء، والبحث عن هدف للحياة، والخوف من مرور الأيام.. هل تتذكرون تلك الأيام؟
تخيل أن هذا الجحيم المسمى “مراهقة”، بكل ما عانيناه وما تركه فينا من ندوب نفسية وأحيانا جسدية، إلا أننا – برأيي – كنا أفضل حالا من شباب اليوم التعساء، فنحن لم نواجه حربا ثقافية وأجتماعية وأخلاقية بهذا المستوى المروع والخبيث، ولا كانت بأيدينا هذه الوسائل التي تتيح الفساد بأي مكان وزمان، بل أنني أتذكر أن بعض الشباب زمان (وقد صار معظمهم اليوم أباءً وأمهات) لم يكن بمقدورهم أن يفسدوا حتى لو كان لديهم الإستعداد لذلك، وكان بعضهم يتوب ويدعي الإستقامة فقط لأنه ببساطة ليس هناك ما يتوب عنه عدا النوايا الشريرة التي لم تتحقق!
أشر الناس وأخبثهم وأسواءهم مصيرا هم أولئك الذين يتجاهلون فاقة وحاجة شبابنا الذين يبحثون عن الزواج، خاصة النساء الشمطاوات؛ وذلك لمعرفتي أنه لا يوجد أب محترم يبالغ في مهر إبنته إلا لكي يرضي زوجته التي تريد أن تبهر قريباتها وجاراتها حتى ولو كلفها ذلك حياة أسرتها، وآخر فلس في جيب زوجها ونسبائه الجدد، ودون الإكتراث بما يتحمله الشاب من ديون وهو ما يزال في بداية الطريق!
المواعظ ما عادت تنفع، وتكاليف الأعراس تزداد كل يوم بممارسات وتقاليع جعلت من هذه النعمة لعنة على كل عازب، فمن بدع تحريم الزواج المبكر، وصولا إلى بدع حفلات الخطوبة وتوابعها التي قد تصل إلى رقم بستة أصفار بمقياس “ريختر”، إلى طلبات أهل العروس وأصدقاء العريس وضيوف العريس والمجاملين، وأزمات السكن وغلاء المعيشة التي تحيل حياة شاب في مقتبل العمر إلى جحيم مستعر!
أصبحنا نتفرج على شبابنا وهم يكبرون ويعانون ويتعرضون لشتى أنواع الخيبات والإضطرابات النفسية دون أن نحاول مد يد العون لهم سوى بالتحذير والتعنيف وأتهامهم بالإستهتار، وإذا ما ندت هفوة من شاب فالكل حينها يتحرك لقمع قلة أدب هذا الشاب الفاسد ونحن نلعن الزمان الذي أنجب هؤلاء الشباب المستهترين!
كلما بحثت عن حل لمشكلتهم التي تؤثر على حياتهم وحياتنا وجدت نفسي أصدم بحقيقة أن الحل في أيدينا نحن كمجتمع يعيش هؤلاء بيننا، وأن هؤلاء لو تحصنوا ضد الفساد في وقت مبكر فلن يجدوا وقتا ليفسدوا فيه، فجزء كبير من مشكلتهم سببه أن لديهم وقت فراغ كبير لا يستطيعون التركيز في إستغلاله بوجود عائق الإرتباط..
ماذا لو أعتبر الأباء والأمهات بماضيهم، وتخلصوا من أنانيتهم لمصلحة أبنائهم وبناتهم أولا؟ لماذا لا تعتبر من جاء طالبا يد أبنتك أبنا جديدا ينظم لعائلتك وتعامله على هذا الأساس؟ أو أن تعتبر زوجة أبنك بنتا جديدة لك تحميها وتثقفها وتخاف عليها وترأف بها؟ ما الذنب الذي أقترفه هؤلاء حتى نعاملهم كمشترين ونحن البائعين في علاقة أساسها الصحيح المودة والرحمة لا الصفقات؟!
معدلات الطلاق العالية ليست ظاهرة بل أثر، والفساد الأخلاقي ليس ظاهرة بل أثر، فالمشكلة الحقيقية تتعلق بألتزامنا بتعاليم ديننا فعلا لا قولا فقط، ومرتبطة بظاهرة المغالاة في المهور، بالإضافة إلى أن كل شيء ملقى على عاتق شاب مسكين لم يبدأ حياته المهنية بعد، ولكنه مطالب بمصاريف الخطوبة، ومهر باهظ، وتكاليف عرس تقصم الضهر، وبيت مؤثث، ومستقبل مضمون، وكأن المسكين يعمل رائد فضاء!
الحل بأيدينا، ولنتذكر أن من لا يرحم لا يرحم! وإذا غيرنا نظرتنا لموضوع الزواج فستتغير أشياء كثيرة في حياتنا، وإذا لم ننتصح بجمال تعاليم ديننا وبكلام المنطق، فعلى الأقل نراقب ما يدور حول شبابنا من مؤامرات بعين الحرص، ولنفكر بتروي في حلول، وأنا متأكد أننا لو أستهدينا بالله فسنجد أن الحل سيظهر دون عناء، وسينقشع ضباب الزيف والكذب الذي طالما عانينا منه.. والله من وراء القصد.