السهل الممتنع 3 الكائن المدير
إب نيوز ٨ ذي الحجة
عبدالملك سام
يعتبر مجتمعنا من المجتمعات التي تعاني من (الشيزوفرينيا) أو إنفصام الشخصية، حيث نجد إختلافا بين ما يقوله الناس وبين ما يفعلونه؛ فالمساجد عامرة بالمرتادين لها والحمد لله، ولكنك عندما ترى التصرفات تتساءل: هل هؤلاء فعلا هم من رأيتهم يصلون في المسجد قبل قليل؟!
بينما في المجتمعات المدنية تجد أن المواطنين ((يتساوون)) غنيهم والفقير أمام القانون الذي ينظم الحياة دون ترك الأمور على النوايا، والخلل عندنا ليس في التشريع الإلهي، بل في من يمارس هذه الشعائر دون أن يكون لها أي أثر في واقعه.
هناك نوعية من الناس تؤمن بمقولة راسبوتين : “كلما كثر أعدائي أزددت قوة”، والمدير (عبدالسميع) من هؤلاء؛ فهو يعلم أن الموظفين والمعاملين ينفرون منه كما ينفرون من الجذام، ولكنه لا يهتم، بل أنه كلما رأى الكره في أعينهم يسر بذلك كدليل على سطوته! ورغم هذا فهو يعرف أن هذه القاعدة لها إستثناءات، فعلاقته بمن هم أعلى مرتبة منه تتسم بالخضوع التام لأوامرهم ونزواتهم، فهم مصدر قوته وعزوته عند الشدائد، خاصة لو حدث – لا سمح الله – وتم تفعيل آليات مكافحة الفساد، رغم أن هذا الأمر إحتماله ضعيف في بلادنا في الوقت الحالي، إلا أن (عبدالسميع) لا يحب أن يغامر!
من منا لا يتمنى أن يتطور بلدنا؟ أنا متأكد أن 99% منا سيجيب بالنفي؛ فكلنا نتمنى أن نرى بلدنا متطورا ومزدهرا.. (عبدالسميع) أيضا يريد ذلك ولكن بدون أن يضطر لبذل أي جهد، وبدون أن يتحمل مسئولية الفشل، ويا حبذا لو أقترنت “المسئولية” بمنصب وبصلاحيات تفوق ما يحتاجه هذا المنصب من موارد ومخصصات، وبمميزات مالية وعينية تضمن له أن “يؤمن” مستقبله هو وأطفاله! فهو يفكر في المسئولية كمغنم، ولو سألته: هل تعتبر نفسك وطنيا؟ لأجابك بالإيجاب دون تردد وهو يتصنع إبتسامة التواضع وسيماء الفخر!
(عبدالسميع) يصلي ويصوم.. وفقط! وفي قرارة نفسه هو مطمئن بأنه من الأبرار أهل الجنة؛ وذلك أنه إذا ما أخذ مالا من “مسئوليته” فهو يريح ضميره بأن المسئول عنه هو من أذن له ولم يحاسبه، وبالتالي فالمسئول عنه هو من يتحمل “المسئولية” لا هو! و(عبدالسميع) إذا تخطى مسئولياته فهو يقول لنفسه أن المسئول هو من لم يحدد له حدودا لمسئولياته، وهذا بحد ذاته يعتبر ضوءا أخضرا ليفعل ما يريد! ثم أنه رأى (عبدالبصير) صديقه الذي كثرت حوله الشكاوى كيف أن “المسئول” عندما ضاق به… قام بنقله إلى “مسئولية” أخرى!!
(عبدالسميع) يعرف بالضبط ما هي مواصفات المدير المطلوبة، فكل ما يحتاجه هو الصوت الآمر وملامح الصرامة والضمير “البارد”، أما المؤهلات والعمل الجاد والاخلاص فهذه مواصفات (العيال التوتو) الذين يشتغلون تحت إمرته! وكلما كان هؤلاء يجيدون المدح والتطبيل والإنبهار بما يقول، كلما كانوا أقرب إلى قلبه وعطاياه. أما أولئك المزعجين الذين لا يكفون عن التحذير والتدخل فيما لا يخصهم بالنصح فبابه وقلبه مغلقين في وجوههم!
قبل مدة كان (عبدالسميع) يسمع كلاما عن كتاب الإمام علي (ع) لمالك الأشتر، وللأمانة فعقل (عبدالسميع) لم يستوعب كلمة واحدة من تلك المحاضرات؛ فبرأيه أنه يملك كل المواصفات التي تؤهله ليكون مديرا، ويكفي أنه من نفس القرية التي ينتمي اليها من عينه، وهو يعرف أيضا أن حاصل قسمة الألف على خمسة يساوي 1، وربما 2 في بعض الحالات الخاصة! ويعرف أن روسيا هي عاصمة آسيا، وأن الجاذبية لا تعدو من أن تكون نوع من أنواع الخضروات! والدليل على ذلك هو أنه لما ذكر بعض هذه المعلومات في مجلسه أمس قوبل بالمديح والإعجاب من كل موظفيه الذين كانوا عنده!
بإختصار.. كلما كان لدينا أشخاص على شاكلة (عبدالسميع)، يتم تعيينهم بحسب أسلوب حديثهم وقربهم ممن يعينهم، فنحن بإذن الواحد الأحد سنظل محشورين في (…….) إلى يوم يبعثون..
والحل؟! لا سبيل للخلاص إلا بإتباع معايير صحيحة تضمن أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، ومن ثم تأهيل هؤلاء دينيا وعلميا وثقافيا وأخلاقيا بما يحقق التصحيح الذي ننشده، أما الإصرار على تجريب المجرب، والتركيز على سفاسف الأمور دون وجود نية صادقة للتصحيح، وفي ظل غياب الرقابة المصاحبة وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب… فكل عام وأنتم بخير إنشاء الله تعالى.