حرية الحظر .. وحظر الحرية !!
إب نيوز ٢٥ محرم
عبدالملك سام
لما كل هذا التجمهر يا جماعة الخير؟! برأيي أنه ليس هناك داعي لهذا الإحتقان كله فيما بيننا، فلو حظروا (اليوتيوب) و(الفيس بوك) فلن نموت كمدا، وإن ظلت تعمل هذه المنصات فلن يزيد هذا في أعمارنا يوما آخر.. ومن الغباء أن نجعل أمرا يحدث كل هذا الضجيح، أو أن يكون سببا للشقاق فيما بيننا، ورأيي – غير المهم – أيضا أن الملام الأول والأخير هي وزارة الإتصالات التي لو قامت بحظر هذه المنصات بعد حظر صفحاتنا وقنواتنا الوطنية مباشرة لما وجدنا من يعترض!
أما لماذا لم أتخذ موقفا صريحا مع “حرية” أختيار المنصات، فلأني أؤمن أن الحرية للجميع أو فليخرس الجميع، وطالما هذه المنصات تمنعنا عن الحديث عن قضايانا وأرآنا وحقوقنا، وتقمع صفحاتنا وقنواتنا، بينما تسمح للآخرين أن يكذبوا ويدلسوا ويسيؤوا دون ضابط أو رابط، بل حتى أنها تتيح للشواذ والشياطين والتافهين والمجانين لقول ما يريدون، بل وتدعمهم وتسهل الوصول لمنشوراتهم وتعطيها أفضلية، فهذه ليست حرية..
هم يريدون منا أن نسمع وحدنا، ونتأثر وحدنا، وقد حددوا لنا مساحة علبة كبريت لنظل نتعارك عليها، وحتى علبة الكبريت هذه محكومة بقواعد خاصة ورقابة صارمة، ولذلك لا نرى سوى النكات والكلام الغث والتافه، وفي أفضل الأحوال معرفة أفضل وأسرع طريقة لتقشير التين الشوكي، أو طريقة حساب الدورة الشهرية! أما المواضيع الهامة فلا تظهر سوى يوم 29 فبراير في الساعة الثانية صباحا بتوقيت (كيبيك)!
يوما بعد آخر تحولت مواقع التواصل الإجتماعي لمهرجان نجومه أصحاب العاهات العقلية، ويكفي أن ترى أشخاصا كالأبله (زوك) أو الأخرق (إيلون) لتعرف أي عالم إفتراضي سخيف ندافع عنه، فإذا كان هؤلاء هم علية القوم، فكيف باللذين مستواهم أدنى منهم؟! فأسمحوا لي، أنا لن أدافع عن عالم تافه كهذا، ولست مستعدا لأن أتخاصم مع أي طرف يطالب بالمساواة بين الجميع.
تخيلوا ما تربحه شركات كهذه، والذي يقدر بالمليارات سنويا، بل ويفوق ما تجنيه حكومات بمؤسساتها وشركاتها وبشرها وشجرها! فإذا كان الأمر أنهم يقدمون لنا خدمة في المقابل، فالمفترض أنهم حريصون على رضاء زبائنهم ونحن منهم، وأن يقدموا لنا هذه الخدمة بحسب طلبنا ووفق ما نحتاج، ولكن ما يحدث هو أنهم يأخذون مالنا ولا يقدمون إلا ما يريدون هم ووفق شروطهم، او فلنتفرج ونسكت!!
أما من يتحجج بالمعرفة التي يمكن أن تحصل عليها من هذه المواقع، فأقول: أذهب وأحصل على كتاب حقيقي لتقرأه لتعرف الفارق بين المعرفة ووهم المعرفة الذي يقدمونه لك! ولن أدخل معك في نقاش طويل، فقط إقرأ أول عشرين منشور تظهر لك في صفحة الاخبار بأي منصة، وبعدها أجمع كمية المعلومات التي حصلت عليها، وقدر كمية فائدتها!
نحن في عالم يزداد جهلا بفضل هذه المواقع، وقد وصلنا إلى مستويات خطيرة من الإنحدار الأخلاقي ورواج التفاهة وعدم الأستقرار الأجتماعي والسياسي، ولذلك وجدنا اليوم زمانا لو سألت فيه أبنك المدمن على هذه المواقع عن “وقعة الحرة” لأجابك أنها حدثت بين الإتحاد السوفييتي وشعب المايا، وأنتهت بهزيمة برشلونة (1:3)!! هل تعتقد أني أسخر منك؟! جرب ونادي أبنك وأسأله عن أي حدث تاريخي هام أو حدث أي معلومة تعتبرها من البديهيات!
أسمحوا لي إذن.. أنا لست مستعدا للدفاع عن أي منصة من هذه المنصات غير العادلة، ولو قمت غدا صباحا ووجدت أنها ذهبت في ستين داهية فلن يتغير مزاجي ولو للحظة بسبب ذلك.. أنا من الطراز العتيق الذي ما زال يحب رائحة الكتب، وملمس الورق والصحف، والنقاشات الراقية التي تجري وجها لوجه، وأكره النفاق والبذاءة واللا مبالاة والتظاهر طوال الوقت بأني شخص آخر.. ولن اخسر شيئا لو أغلق احدهم بابا للفوضى والجهل والكذب، والسلام.