الهروب .. [ قصة قصيرة ]
الهروب .. [ قصة قصيرة ]
إب نيوز ١٩ ربيع الأول
عبدالملك سام
“الهروب”، تكررت الكلمة برأسي للمرة الألف خلال هذا اليوم فقط، ومنذ الصباح وأنا أنتظر أخبار نجاح خطتي التي كلفتني أموالا طائلة.. ورغم أن هذا الكلام يدور في بالي فقط، ولكن كلما لمعت الفكرة برأسي أشعر بأن ضغط الدم يعلو فجأة، وأتلفت حولي وأنا ارتجف خوفا من أن يكون صوت الفكرة عاليا فيسمعه أحد آخر، فليس هناك من أثق به سواي بعد أن بقيت فترة أتخوف من أن يعرف أحد بماذا أفكر، فكل شخص حولي كان يعتبر مشروع جاسوس محتمل!
كان الوضع سيئا جدا، وكم كنت غبيا عندما ظننت أن هؤلاء الذين أتوا لإحتلال بلدي ليسو سوى حفنة من الأغبياء الذين أستطيع أن أخدعهم وأسرقهم ثم أفر مع عائلتي للخارج بما خف حمله.. لكن الحقيقة أن هؤلاء لابسي “العقالات” لؤماء جدا؛ فقد أخذوا زوجتي وطفلتاي إلى بلدهم كرهائن حتى يضمنوا خضوعي التام لإرادتهم، ومن بعد ذلك تحولت معاملتهم لي إلى الأسوأ.. لقد أحتملت الشتائم والضرب والمهانة من حينها، ولكني ظللت أتظاهر بالثبات والقوة حتى لا يعلم الناس بما يحدث.. هكذا كانت الأوامر التي أمليت علي دون أن أستطيع أن أعترض.
ترى ماذا يحدث لعائلتي هناك في بلد الأبراج اللعينة؟ زوجتي وأبنة عمي الريفية البسيطة.. كم كنت غبيا عندما ورطتك معي يوم قبلت أن أتعامل مع عديمي الرحمة هؤلاء.. فتاتي، نادية وندى البريئتان.. نادية بشعرها الطويل الفاحم العربي الجميل وضحكتها الودود، وصغيرتي ندى بوجهها الصبوح الذي أرتسمت على خده الأيسر شامة الحسن التي كنت أعشق تقبيلها.. ترى ماذا تفعلن الآن يا حبيباتي؟!
لقد نجحت وفررت بجلدي بعد أن تعبت من حياة المهانة والذل، وهأنا في غرفتي بإسطنبول منذ أسبوع انتظر نجاح خطة تهريب عائلتي ولم شملنا، ولم يكن الأمر بالهين، فقد استخرجت لنفسي تقريرا طبيا يفيد بأنني مريض بسرطان البروستات في مرحلة متقدمة، ولهذا سمحوا لي بالسفر إلى القاهرة، فأنا خادمهم المطيع الذي لا يسرهم خسارته خاصة بعد أن أصبحت قائدا لمجموعة من مواطني الذين يتبعون أوامري، وهم لا يعرفون أي قائد خائن وذليل يتبعون!
دق جرس الغرفة فجأة، فقمت وفتحت الباب، وإذا بي أرى الخادم يناولني صندوقا مربعا ويغادر بسرعة.. أغلقت الباب وفتحت الصندوق، فوجدت بداخلة قرصا مدمجا بجانبه ورقة كتب عليها: “نرجوا أن تستمتع بهذا الفيلم القصير الذي يظهر بطولاتك في فندق برج العرب منذ عامين”، وفي الصندوق أيضا ثلاث كرات مغطاة بالمخمل الأحمر، وما إن كشفت الغطاء حتى رأيت ثلاثة رءوس مشوهة أحدها له شعر طويل فاحم عربي جميل، والآخر كان لوجه صبوح أرتسمت على خده الأيسر شامة حسن كنت أعشق تقبيلها!
[صحيفة تركية كتب فيها الخبر التالي:
العثور على السياسي اليمني (…….) مقتولا في غرفته بفندق (……) بإسطنبول، وقد رجح مصدر أمني أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن ما حدث جريمة قتل تمت بطريقة إحترافية لتبدو كعملية إنتحار، فيما أكد المصدر …….الخ] -(تمت)-