فلسطين.. خطأ التشخيص!

 

إب نيوز ١٤ ربيع الثاني

عبدالملك سام

عندما قرأت تعليقا للكاتب الكبير (إبراهيم عيسى) وهو يتحدث عن (حماس) بحماس ويصفها بأنها أكبر المتاجرين بالقضية الفلسطينية، صدمت! وقد علقت عليه بما فتح الله به علي من الفاظ تليق ولا تليق؛ والسبب هو أني لطالما أحترمته، وأعتقد أنه عقلية فذة ونادرة، وصاحب رأي لا يشق له غبار، خاصة وقد تسببت أراؤه في “المطبعين” والخونة لفترة بفصله من عدة قنوات تلفزيونية، بل وحبسه.. لكن ما الذي دفعه ليقول ما قاله وهو من أبرز المثقفين العرب في عصرنا الحالي؟!

أحد الأسباب هو أنه – أي عيسى – من أولئك الذين يكرهون حزب الإخوان على طول الخط حتى لو فعلوا شيئا صحيحا، ورغم أنني عندما سمعت ما قاله كاملا وجدت بأن هناك شيء من المنطق فيما قال، إلا أني لم أستطع تبرير كل ما قاله إلا من منظور أنه مثل أي عربي يشعر بالإحباط والقهر وهو يرى المذابح التي تحدث في غزة هذه الأيام، وشعور العجز يجعلك تنفعل وتقول وتتناقض وأنت ترى تلك المشاهد التي أبكتنا وملأت قلوبنا حزنا وغيظا وأحباط، ومعظمنا بسبب هذا الحشد الكارثي من المشاعر الملتهبة يتلفظ بما في قلبه دون مراعاة للبرغماتية أو العقلانية، فهذا ترف لا نملكه ونحن نرى ما يحدث!

المشكلة الحقيقية هي في “التشخيص”؛ فالحاكم – سواء كان رئيسا أو أميرا أو ملكا – وفق “النظرية التعاقدية” ما هو إلا موظف لدى الشعب، وإن كانت لديه صلاحيات واسعة حسب دستور البلاد، إلا أنه يظل موظف يؤدي دوره في الحفاظ وإدارة موارد البلد في خدمة الشعب ومصالحه.. أما في العالم الثالث (كما يطلقون علينا) فقد حدث إختلال في هذه العلاقة حتى صار الوضع مقلوبا، وأصبحت الشعوب في خدمة موظفيها (الحكام)، وصولا إلى ما نراه اليوم من “الزعامات” الذين يعقدون الصفقات بما يتوافق مع مصالحهم فقط، بل وبات لا يمكن تغييرهم وأستبدالهم إذا فشلوا إلا وهم في وضع “أفقي” أي قتلى، أو بإنقلاب عسكري، لا بأنتهاء التعاقد!

خطأ التشخيص يؤدي إلى أن تعتقد الشعوب أن العلة فيها هي، أو في الظروف، أو في أي شيء آخر إلا “الحاكم” نفسه! فتبدأ تبحث عن الأعذار التي تبرر الفشل، وتبحث عن الحلول عند من هو المسؤول الأول عن فشلها! فمثلا نحن نرى الأنظمة العميلة التي تدير بلادنا العربية وقد عقدوا الصفقات مع أخطر أعدائنا اليوم كأمة، ثم نرى نتيجة هذه الصفقات وقد أدت لتفاقم مشاكلنا وتجرؤ أعدائنا علينا أكثر، مما أدى لزيادة الجرائم المرتكبة بحقنا، وبعد هذا كله نبحث عمن نلقي عليه باللائمة، فنتهم الضحية وأنفسنا والعالم المتوحش، ولكن لا نتهم المسؤول الفعلي عما وصلنا إليه من ضعف وهزيمة!

بالوعي تشخيص الداء بشكل سليم يمكننا أن نجد الحل، فنحن لسنا ضعاف كما نعتقد وإلا ما أستطاع فصيل مقاوم واحد أن يزلزل “إسرائيل” في يوم واحد حتى وصل الأمر للحديث عن تهديد وجودي لكيان العدو! ولو كانت هذه الأنظمة مجبرة على أبرام الصفقات مع كيان العدو كما تدعي بسبب الخوف لكان فتح الحدود أمامنا هو السبيل الأفضل لنخلصها ونخلص أنفسنا من هذا الخطر، ولكن حالة التماهي هذه تدل أن هذه الأنظمة مرتبطة مع أعدائنا بعلاقة تتجاوز فكرة المصالح.. علاقة تحولوا من خلالها من (منا) إلى (منهم)، فأصبحت هذه الأنظمة وكيان العدو شيئا واحد!

الحل بسيط: فإما نغيرهم، أو نجبرهم على التغيير؛ فأستمرار هذا الوضع لن يؤدي سوى أن تتحول بلداننا إلى غزة أخرى.. بلدا تلو الآخر!.. العلاج يتمثل في الإنخراط مع المقاومة بالمال والنفس، ولا أعني هنا حملات التبرعات المؤقتة التي نساهم فيها كلما حدثت جريمة مروعة في بلادنا، بل دعم دائم ومتواصل كما يفعل الصهاينة أنفسهم.. أن نوالي حركات المقاومة ونعلن أنها تمثلنا، ونرفض وسائل الترهيب التي تستخدمها الأنظمة القمعية ضدنا لتمنعنا من نيل حقوقنا، وإلا فلنا حق مشروع بأن نغيرها، والله معنا.

…..

*حملات مقاطعة المنتجات والسلع التي تدعم كيان العدو هو رفض للمشاركة في سفك دماء أهلنا في فلسطين.. فلنواصل ونستمر ونحرض غيرنا، فهذا واجب ديني ووطني وإنساني.

You might also like