هروبي إلى الحرية – ج1
هروبي إلى الحرية – ج1
إب نيوز ٨ جمادي الأولى
عبدالملك سام
[القوي يفعل كما يريد، والضعيف يعاني كما يجب] (بديهية ثيوسيديدس)
نعم، عنوان المقال مقتبس من كتاب (علي عزت بيجوفيتش) أو ما سماه فيما بعد (اوراق السجن)، ولكن دعوني أؤكد لكم أنه لا يمت للكتاب بأي صلة؛ فلا التهمة التهمة، ولا المدة 13 سنة وإن رأيت فيها كثيرا مما رأه بيجوفيتش في عشرة أيام فقط، وايضا أسريَّ لم يكونوا صربا أو سعوديين لسوء الحظ بل هم يمنيين وإن شعرت أنا والمسجونين معي بأننا في معتقل صهيوني نازي بانتظار الإعدام!
أنا لا أبالغ وأقسم لكم على ذلك، ولم أكن أتخيل أن الأوضاع عندنا بهذا الشكل المزري، وقد أدركت منذ اليوم الأول سبب تأخر النصر وأستمرار العدوان.. ولكني عاهدت نفسي والمحتجزين هناك بأنني عندما أخرج (وهذا شيء لم أكن واثقا منه حينها) بأني سأنقل للخارج معاناتهم كجزء من مسؤوليتي ككاتب صحفي أولا، وكثائر خرج في يوم من الأيام ليرفع الظلم عن نفسه وشعبه، وكإنسان لا يمكن أن يحتمل أن يعامل البشر بطريقة لا إنسانية فيها ظلم وإجحاف للأنسان.
منذ أن تطأ قدمك أرض قسم الشرطة فيمكنك أن تعرف أن الحرية قد تشترى بالذهب، وليس الأمر كما قرأت عنه في الصف الأول في نشيد البلبل السجين في قفص من الذهب! الحرية هناك مرتبطة بكمية ما تحمله من مال، ولا تحاول أن تخدع نفسك بمدى إيمانك بعدالة قضيتك أو بمنطقية حجتك؛ فبالمال وحده يتحدد مدى حقك ومدة بقائك في الحجز، والقانون هو قانون المال، والشريعة هي شريعة الغاب، فيها يأكل القوي الضعيف حتى أنك تستغرب من مدى سذاجة الناس في خارج أقسام الشرطة الذين يعيشون ولا يعرفون ماذا يجري بالقرب منهم!
لو كنت تعتقد أنني أبالغ فلك أن تجرب ببساطة، ويكفي أن تدخل لتشتكي وقد آليت ألا تدفع قرشا فتجد نفسك محتجزا حتى لو كنت دخلت شاكيا أو لأجراء أي معاملة؛ فستتعلم أن القاعدة الذهبية الأولى هناك هي: (دخول الحمام ليس كالخروج منه)، مع فارق أنك عندما ستخرج من الحمام ستشعر بالراحة لأنك تخلصت من الفضلات التي تثقل امعائك، بينما أنت في قسم الشرطة ستجد نفسك تسبح في الفضلات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
بالنسبة لتجربتي الشخصية مع هذا الموضوع فقد اكتشفت منذ اليوم الأول أن دخولي القسم ليس كخروجي منه؛ فقد تحولت من شاكي إلى مشتكى به، ووجدت نفسي أدخل المعتقل بعذر أني سأخرج بسرعة كما قيل لي، وبعد ساعات جاء من يقول لي أني أواجه تهمة أعتداء وبوجود دزينة من الشهود الذي يعلم الله وحده أين وكيف ومتى جاءوا! وأن الملف الذي فتحتوه بطلب مني بات يحمل أطنانا من الأوراق والأستدلالات التي دست وأعدت في ساعات قليلة بقدرة خارقة للطبيعة وكأنه قد تم تجهيزها منذ سنوات!
يومها لم أنم ألا بعد الفجر لهول ما شاهدت وسمعت وعرفت.. قصص وحكايات يشيب لهولها الولدان، وعلى ضوء المعتقل الخافت وبرد الزريبة التي ينام فيها العشرات من المعتقلين المتعبين، كنت أسال نفسي ما الذي دهاني لأدخل هذا المكان؟ هل أنا في حلم أم في واقع مر يفوق التصور؟ وصدقوني لم يكن ينقصني سوى أن أرى عبارة: “يا من تدخلون هنا دعوا خلفكم كل رجاء” المكتوبة على باب الجحيم كما تخيل (دانتي)! … يتبع..