هروبي إلى الحرية – ج2 – أدفع ثم أدفع!

 

إب نيوز ١٣ جمادي الأولى

عبدالملك سام

[يا من تدخلون هنا دعوا خلفكم كل رجاء] (بوابة جحيم دانتي).

لا أعرف لماذا تصر أقسام الشرطة أن تشوه الصورة التي يحملها المواطن نحو هذه المقرات التي كان من المفترض أن تشعرك بالأمان، وأن يكون دورها حل المشاكل، لا أن تكون هي المشكلة! بمعنى أنك قد تدخل شاكيا، وإذا بك تتورط بمشاكل غير مرتبطة بشكواك التي جئت لتشكو منها؛ فشاكي الشكوى يشكو فيشكا بشكوى.. هل فهتم ما أقصد؟! من يحبون حلوى “المشّبك” سيفهمون قصدي.

يأتيك من يزورك، ولعمري هذا أجمل أحساس شعرت به هناك، أن تجد من يزورك ويسأل عنك ويحاول أن يجعلك تطمئن لأنه يبذل جهده ليخرجك.. ثم يرحل الزوار فتشعر كأنك طفل ترك لوحده للمرة الأولى في المدرسة، ثم تجلس وأنت تشعر بالمرارة والسأم، ولا يخفف عنك سوى الحديث الذي تتبادله مع “الزملاء”.. ولأن شر البلية ما يضحك، فكل الحوارات والقصص المؤلمة التي يتبادلها السجناء تلقى بسخرية مبالغ فيها، فنضحك جميعا ونحن نقلب كفا بكف، وكأن الضحك نوع من أنواع المواساة حتى لا نجن!

أطرف ما سمعته هناك هو من شخص تشاجر مع صاحب محل بقالة فرماه بقطعة (كيك)! ولأن صاحب المحل يعرف من أين تؤكل الكتف ذهب للقسم ليشكوه أولا، وتفاجأ صاحبنا برجال الشرطة يعتقلونه ويضعونه في الحبس! ضحكنا غير مصدقين من قصته، وسألناه لماذا لم يطلب مواجهة خصمه ليخرج، فأخبرنا أنه محتجز منذ عشرة أيام لأن خصمه دفع مبلغ ليظل في الحبس، وأنه بعد أيام من قدومه أصبح يواجه عدة تهم منها التهكم على أحد الضباط، ومحاولة تهريب أحد السجناء!

هكذا ترى أنك تتورط أكثر فأكثر كلما بقيت في السجن أكثر، وكلما كان خصمك سخيا مع أفراد الشرطة، كلما غاصت قدميك أكثر وكأنك تقف فوق رمال متحركة! وكما يقال ماذا تفعل إذا كان خصمك القاضي؟! وخصومك هؤلاء يعرفون القانون ويعرفون كيف يلعبون عليه! كنا نضحك من مرارة القصة وهو يقول ضاحكا: كل هذا من أجل قطعة كيكة! لو كنت أعلم لكنت قذفته بشيء يستحق كل هذا العذاب!!

صعوبة الموقف هو أنك ستضطر لأرسال شخص من طرفك ليراضي خصمك، وخصمك سيبتزك فتدفع ليتنازل، ثم ستضطر بعد ذلك لأن تراضي الضابط وأفراد القسم لأسقاط التهم الاخرى، وغير هذا فلن ينفعك.. أدفع ثم أدفع ثم أدفع حتى تخرج من ورطتك.. ورغم أن بقائك في الحجز غير قانوني، ومن المفترض أن يتم ترحيلك خلال مدة أقصاها 24 ساعة للنيابة للفصل في قضيتك، إلا أن هذا لا يحدث أبدا ألا بعد أن تدفع ولو مضى على أحتجازك أيام وشهور، دون مأكل أو مشرب أو غطاء يقيك من البرد إذا لم يكن لديك من يعطيك ما تحتاج في خارج السجن!

تمني نفسك بأنك لن تدفع وسيضطرون لترحيلك في آخر الأمر، ولكن دون جدوى، بل أنك حتى لو ذهبت للنيابة لتشكو من هذه المخالفة الصريحة للقانون فلن يسمع أحد منك! فهم يعرفون ما يجري هناك جيدا، ولكن يتم التعامل معك كمجرم وأنت من المفترض مجرد متهم بريء حتى تتم أدانتك! عندها ستفهم حرفيا معنى عبارة (كم في السجن من مظلومين!).. معظم هؤلاء لم يدفعوا، أو ليس لديهم ما يدفعون!

ثم يأتي المساء حاملا لك ذلك الشعور الذي هو خليط بين الغربة والذعر، أو ما يطلق عليه الفرنسيون لفظ (جامي فو) أو (لم أر هذا من قبل).. أين أنا؟! كيف جئت هنا؟! ومتى ينتهي كل هذا؟! ثم تستسلم لرحمة النعاس وتنام.. يتبع..

 

You might also like