كاتب فلسطيني: المرحلة القذرة من التاريخ العربي.. المستضعفون يعيدون مجد الأمة من جديد!
إب نيوز ١ رجب
فوجئنا صبيحة الجمعة بضربات توأم الشر الأمريكي -البريطاني العدواني على أرض اليمن وذلك ضمن مظلة (الدفاع عن النفس ) وحماية الازدهار وحرية الابحار والملاحة في البحر الأحمر ، و في يوم أمس ومع نفس الصباح قتل العدو الصهيوني في عدوانه المستمر على غزة 151 شهيدا ضمن سياق (الدفاع عن النفس ) ضد هؤلاء المدنيين الإرهابيين ، وصدف كذلك أنه بالامس أيضا و ضمن مرافعات فريق الدفاع عن الكيان في منصة محكمة العدل الدولية طالب فريق الدفاع هيئة المحكمة بعدم منع العمليات العسكرية في غزة لأن ذلك يوقف عمليات (الدفاع عن النفس ) الأخلاقية التي تقوم بها (اسرائيل) حماية لسكانها المقدسين .
كما تلاحظون تحولت اكذوبة ( الدفاع عن النفس ) مثلها مثل أكذوبة (مكافحة الإرهاب ) إلى طائرة او دبابة يتم ركوبها والقصف بها في أي وقت وأي ظرف لتبرير العدوان على أي شيء يقف في وجه المخططات الأمريكية ، وهذه الأكذوبة يتم ابتلاعها بمرافقة حبة تحت اللسان اسمها ( عدم الرغبة في توسيع الصراع ) أو حبة خضراء اللون اسمها (السعي نحو سلام عادل ودائم ) ، لم يعد فقط ترديد الأكاذيب جزءا من الروح الأمريكية الغربية بل أصبح مفروضا على العالم أن يصدقها ويقبل بها رغما عنه.
نتابع في هذه الأيام جملة واسعة من الأحداث والتفاعلات التي تفجرت مع تدفق طوفان الأقصى ، يحتل الصدارة فيها موضوع الشكوى الجنوب افريقية المقدمة في محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني ، ويحتل العدوان على اليمن المركز الثاني في هذه التفاعلات.
فيما يتعلق بقضية الإبادة التي تُرفَع اليوم في وجه الكيان في المحكمة الدولية اسمحوا لي بالرجوع إلى مشهد ذي صلة جينية مع الحدث ، صورة صادمة لا يمكن أن تمحوها الذاكرة قادمة من تاريخٍ مشابه من العام 2015 حيث شاهدنا جميعا وبذهول مسيرة باريس والتي رأينا فيها صفا من حكام العرب وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض يتوسطهم نتانياهو وماكرون ويمشون في شوارع باريس كرمزية تحالفية لمكافحة الارهاب حول أحداث صحيفة شارلي ايبدو ، وباستحضار هذه الصورة وربطها مع ما يجري في المحكمة الدولية فلا يسعني إلا الأسف على حالة الهوان والضعف العربي التي أخفق فيها النظام الرسمي في عقد حلف مضاد للعدوان الصهيوني وفشل في تشكيل قاعدة ملاحقة ومطاردة ومعاقبة قانونية لكل أطراف الكيان ومحاصرته والإطاحة به أرضا بالطرق الناعمة نظرا لحجتهم بالعجز عن المواجهة العسكرية ، كنا نتمنى أن نرى موقفا واحدا أو مسيرة حق تطالب في محاكمة ليس الكيان وعصابته فقط بل محاكمة بايدن وبلينكن وسوناك وماكرون وكل العصابة الغربية التي آزرت هذه الجريمة ووقفت معها على المكشوف ، لقد وصل الهوان العربي نقطة الذورة الى الدرجة التي صارت فيها قضايانا منقولة إلى أيدي الدول الغربية وأصبحت الجريمة الفاضحة المفضوحة تحتاج الى براهين وادلة أمام محاكم النظام الدولي كي نحصل على ردع أو ايقاف لهذه الجريمة ، ماذا لو خرجت المحكمة الدولية بقرار مطاطي أو معاكس لآمالنا وتطلعات الشعوب العالمية كافة حيال هذه الجريمة؟ ما الذي سوف يعنيه ذلك وما الذي سوف يترتب عليه ؟ سوف تكون تلك هي نهاية الثقة بالنظام الدولي وسقوط هذا العالم بعدالته المزيفة إلى ثقب أسود أمريكي بلا نهاية وسوف تتوج هذه المرحلة من التاريخ العالمي بالعار الأزلي.
وفي مسألة العدوان على اليمن دعوا التاريخ يستحضر لنا مقاربة أخرى ، فقبل شهرين تقريبا تم عقد ( القمة العربية -الإسلامية ) بحضور 57 دولة بهدف اتخاذ موقف عربي -إسلامي موحد حيال الجريمة التي يرتكبها العدوان الأمريكي – الصهيوني على قطاع غزة ، بموازاة ذلك التاريخ بلغ عدد الشهداء في غزة 11 ألف شهيد وهو رقم أكثر من كافٍ لإعلان حربٍ عالمية على الكيان الصهيوني ، خرجت هذه القمة بلائحة طويلة من ارشادات دليل الهاتف وأحدث نسخ الإدانات والمطالبات الصادرة من كتاب اليوتيوبيا العربية ذات الشهامة والكرامة السرابية ، منذ ذلك الوقت وحتى الان تجاوز عدد الشهداء أكثر من الضعف واشتد الحصار على غزة إلى درجة التجويع والموت من الجراح مما يؤكد أن عقد تلك القمة لم يختلف عن عدم عقدها ، يبدو تاليا أن الجهة الوحيدة التي استجابت لمخرجات القمة بالشكل الحقيقي كان هو حكومة صنعاء وشعب اليمن المعطاء العروبي الأصيل وهي بالمناسبة لم تُدعَ أبدا إلى تلك القمة.
كما هي العادة تتغطى عمليات الاعتداء الأمريكية والبريطانية وربما تلحقها الفرنسية في القريب العاجل بقدر كبير من الباطل والزيف والذي هو نفسه بالمناسبة الذي تتبناه الرواية الصهيونية حول أحداث طوفان الآقصى ، أكثر المبررات انحطاطا ولؤما تتكشف في نقطتين إثنتين ، الأولى هي أكذوبة (الدفاع عن النفس ) وهي الأكذوبة التي تم بموجبها قتل وإبادة أكثر من مائة ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ، والنقطة الثانية هي تعمد إدراج اسم ايران وتعليب الكرامة العربية اليمنية بالتبعية والخضوع لسياسات ايران وطبعا يستهدف هذا التشهير الانقاص من مكانة واستقلالية القرار اليمني الحر وتحويله إلى اداة خاضعة غير ذات سيادة والزج بإسم إيران في كل نشاط معارض ضمن نفس النهج العدواني السائد ضد ايران ، إن قرار صنعاء هو قرار حر لا يعيبه التعاون والتحالف مع ايران وكان سيكون هو ذاته بوجود الدعم الايراني أو عدمه.
إن عمليات أنصار الله في البحر الأحمر أعلنت بوضوح عدم مسها لأمان الملاحة الدولية وهي تستهدف إحداث الضغط على الجريمة الصهيونية لآيقافها بطريقة ذكية ، فإذا كانت العملية الأمريكية-البريطانية تريد إيقاف أنصار الله فهذا يعني بالحرف الواحد انها تريد استمرار القتل والجريمة داخل غزة وعلى المكشوف ، إن الشرعية الوحيدة التي تطوف فوق مياه البحر الأحمر هي شرعية الكرامة اليمنية التي أخذت على عاتقها دونا عن كل الخونة والمتخاذلين والحلفاء المتصهينين إنقاذ غزة والشعب الفلسطيني والوقوف جنبا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية بما استطاعت إليه سبيلا ، إن ادوات القياس ومعايير البقاء التي اعتمدتها صنعاء مختلفة تماما عن المحيط الذليل الذي يؤمن أن التبعية العمياء هي الرؤية الوحيدة في ظلام هذا العالم ، لقد اختارت صنعاء حل العدالة والشهامة والوقوف الى جانب شعب فلسطين المظلوم بطرق حضارية غير دموية لكن طريقة الولايات المتحدة وبريطانيا تعود لتثبت مرة أخرى أنها هي الطريقة البدائية الهمجية الوحشية القائمة على الاستكبار والقبلية الغربية المتخلفة المتغطية بكل حداثة وأسلحة العصر ومكياجه القبيح لتساند المعتدي والقاتل.
لو كان هنالك حقيقة شيء اسمه مؤتمرات عربية او إسلامية لكان هنالك من الدخان ما يثبت وجود هذه النار ، لكنا شاهدنا على الأقل وقوفا ودعما ومؤازرة لشعب فلسطين أو للموقف اليمني المشرف ، لو كان هنالك إجماع من هكذا وهم لما بادرت هذه الدول بإسقاط الصواريخ اليمينة الذاهبة الى فلسطين ، لو كان هنالك إجماع لما شاهدنا تعاونا وتنسيقا مع الأعداء في ضرب غزة ولبنان واليمن ولكن هنالك يد قابضة على المنطقة لها غاية واحدة وهي منع نهوض أية قوى تحررية لصالح شعوب العرب.
لا شك أننا عشنا كعرب داخل صندوق اتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة لسنوات طوال من عمر المنطقة ، عشنا كعالة على الحضارات والتاريخ بفضل الأنظمة الحاكمة النائبة عن الاستعمار الأصلي، اما اليوم فنحن نعيش أقذر مرحلة من التاريخ العربي وأكثرها وضاعة وبذاءة وســفالة والسبب البسيط أننا أصبحنا نعايش الجيل الرابع من مسابقات التنافس على الخيانة ووراثة ورثاء سايكس بيكو ، لقد تم استبدال عواصم الكرامة والرجولة والشهامة بنسخ رخيصة مقلدة سهلة الكسر والتشقق من عواصم الهوان والخذلان والباقيات الصالحات ضاعت وسط عواصف الرمال والنفط حتى يقضي الله على هذه الأوبئة العارضة ويعود التاريخ إلى مكانه الصحيح.
هذا العدوان على اليمن وضع بوضوح النقاط على الحروف وأظهر معالم التصنيف الجديد لحدود هذا العالم المجنون بين الإرهابي والمسالم وبين الظالم والمظلوم في عالم ذي ضمير رخيص وفاسد ، الاعتداءات الجبانة على اليمن ليست بمعزل عن الجريمة المستدامة في غزة وتريد أن تقرأ على مسامعكم قواعد النظام العالمي الجديد بالحرف الواحد : أن القاتل بريء ، وأن السجان صاحب حرية ، وأن القتل الجماعي وشرب الدم هو شيء مشروع وحلال في هذا العالم الجديد ، وأن أصحاب الحقوق هم مذنبون لأنهم ضعفاء ولا يمتلكون القدرة على الرد ، النساء والأطفال المحاصرون في غزة والذين قصفوا بكل أشكال القذائف والصواريخ هم الارهابيون ، والمحبوسون خلف السياج الشائك حفاة عراة جوعى تحت المطر وبين الخيام هم الارهابيون ، الأبرياء الذين يجري إذلالهم على معبر رفح بين العجز والمرض والهوان هم حفنة أخرى من الإرهابيين وليمت منهم من يمت وليفقد عقله كل عاقل ، كل من يقف بوجهنا حتى لو كان صاحب شرعية هو إرهابي ومطلوب الرأس.
معالم المرحلة القذرة من التاريخ العربي لا تزال حاضرة وتفوقت على نظيرتها في نسخة ملوك الطوائف الأشد انحطاطا ، إنها حاضرة عندما تقف الأنظمة العربية موقف المتآمر مما يحدث في المحكمة الدولية ، حاضرة عندما يقف اليمن وحيدا في موقف مشرف ويحارب وتشن ضده المؤامرات والحبكات ، حاضرة عندما يكون هنالك شعب عربي مسلم محاصر ومدمر وتغلق عليه المساعدات بكل السبل الممكنة وتتحول الرئاسات العربية الى شريك رسمي على المكشوف في قتل وابادة هذا الشعب وبشهادة العدو بنفسه ، مرحلة قذرة حاضرة عندما يتم كتم الاصوات والدوس على الشرفاء وحجب اصوات الاحرار الذين بقوا على قيد الانسانية.
حيال هذه المرحلة القذرة اسمحوا لي بأن أبشركم بصعود بوادر المرحلة النظيفة والناصعة والمشرفة من التاريخ العربي التي أفتتحتها المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى وأكملت أسطورتها بصمود بطولي لأهالي غزة ومقاومي غزة ، مرحلة تحرر جديدة وكسر للقيود بادرت فيها عاصمة الشرف العربي صنعاء بكسر الجبروت الأمريكي والغربي والصهيوني ومحاصرة إمداد العدو في البحر اليمني الأحمر ، لقد تحولت غزة إلى دولة عظمى وسُجِلت صنعاء كعاصمة عظمى لأن الجبروت الأمريكي والاستعلاء والاستكبار الاستعماري حولهما إلى دول عظمى من حيث لا يدري.
لقد خاض اليمن سنوات مريرة من الحرب التي لم يسلم فيها لا مشفى ولا مدرسة ولا بيت عزاء ولا مدنيين ومع ذلك لم يكسر ذلك شوكة اليمن ولا روحه العربية وفهمه للمعركة ، فهل ستؤثر فيه هذه الضربات الجبانة ؟ التاريخ يتغير ببعض سهام الكرامة التي ألقت فيها غزة وصنعاء ولبنان والعراق إلى سماء الشرق الأوسط وأنارت ظلمة عقول العبيد ، الكيان الصهيوني يشهد أسوأ أيامه وتتبعه في ذلك الاستعمارية الأمريكية التي بدأ نجمها يأفل على يد إدارات ووجوه أراجوزية عبثية تبحث عن الوقود والنفط والثروات والسرقات والمراكز ، إدارات مصابة بالزهايمر المبكر وغشاوة الرؤية.
لا بأس بذلك تحالفوا كما تشاؤون وانشرو جيوشكم فوق كل السحاب وكل المفارق وفتشوا جيدا في كل رسائلنا ، نحن حلف الفقراء والمساكين والمحرومين والمقهورين وأنتم حلف الشيطان ونحن الوارثون والصاعدون من جديد وهؤلاء من سيكتبون التاريخ العربي الجديد!
الكاتب العربي الفلسطيني
*خالد شــحام