غزة أخرى ومختلفة!

إب نيوز ١٠ رجب

عبدالملك سام

الحقيقة أن العالم يتفرج على غزة وهي تباد بسبب الغطاء الأمريكي الظالم، وللوهلة الأولى سنفكر جميعا أن الأمر أنتهى، لقد خذلت غزة مرة أخرى، وكل الجهود التي بذلت لنجعلها تقاوم لم تكن كافية كما يبدو، وفكرة أن إسرائيل ستنسحب دون أن تضمن إخماد الثورة ومنعها من معاودة الكرة تبدو بعيدة عن المنطق.. فما الحل؟!

برأيي أن المقاومة لا تزال تفكر بأسلوب “شاعري” لا يخلو من التأثر بالمثالية الناشئة عن اليقين المطلق بأن الخير سينتصر على الشر في النهاية، وهذا الأمر نظريا صحيح، ولكنه للأسف غير مؤكد! فالخير سينتصر لو كان تحركه صحيحا، وهنا يأتي دور الإدارة الواقعية الواعية، وخلال فصول التاريخ سنجد أن الخير قد هزم مرات عديدة على يد الشر بسبب سوء الإدارة، وإن كان خيرا واضحا لا لبس فيه!

بعيدا عن الفلسفة، هناك قطاع كامل يسكن فيه مليونا فلسطيني، ولكن العدد الذي تم إعداده للمقاومة يظل ضئيلا جدا، وقد يعود هذا بسبب أننا كنا معتمدين على العمل التطوعي، ربما حتى لا نتهم بعسكرة القطاع، وهذا – برأيي على الأقل – هو الخطأ الذي ندفع ثمنه اليوم؛ فما كان ضروريا أن نبالي بكيفية رؤية الآخرين لنا على حساب الأجراءات الضرورية التي تضمن بقائنا.

الطرف الأخر (الصهيوني) لم يتقيد بهذه النظرة “الرومانسية”، ومرة أخرى نتعلم من محور الشر درسا هاما في “البراجماتية” التي تهتم بالنتائج لا بالشكل؛ فليس هناك مدنيين في حالة الحرب، ولذلك عمل الكيان الإسرائيلي على تدريب مهاجريه على مواجهة أصعب الظروف، ولذلك يعمل دون كلل على التدريب وإقامة المناورات بشكل دائم، وفي أحلك الظروف وجدناه يصمد مهما تعددت الجبهات، ويخرج منها أشرس مما كان عليه وأكثر غطرسة!

النتيجة المؤلمة أن اطفالنا الذين علمناهم الرياضيات والقراءة والعلوم والفنون العادية دفنوا تحت الركام، بينما نحن بقينا نبكيهم عاما بعد آخر! فلماذا؟ وماذا كان بوسعنا أن نفعل، وفشلنا؟! كان بوسعنا أن نوحد الجماعات المقاومة أولا، وسواء أعجبنا هذا أم لا، فأنقساماتنا تضعفنا مهما كانت مبرراتنا.. كان بأمكاننا أن نفرض مصالح شعبنا ونتخلص من رؤيتنا القاصرة للأمور بأن نفرض على الجميع دون إستثناء التدريب على المهارات التي تعينهم على البقاء أحياء قبل أي شيء آخر.

مليونا مواطن كان يمكن أن يتحولوا إلى مليونا مقاتل، فماذا كان يمكن لهذا الجيش أن يفعل؟! الفكرة بذاتها ستشكل أشنع كابوس للكيان الإسرائيلي، ولا أظن أن هناك سلاحا رادعا لهكذا جيش.. مليونا مواطن مقاوم يملكون مهارات القتال والدفاع والتخطيط والتحرك والأسعاف! الفكرة بحد ذاتها تجعلك تعرف أنها كافية لتحرير فلسطين كاملة، بل والمنطقة برمتها، وهي فكرة غير مستحيلة لأننا طبقناها ومستمرين على تطبيقها هنا في اليمن، وطبقناها عند تشكيل الحشد الشعبي في العراق، فتخيلوا كيف كان الوضع لو طبق هذا الأمر في غزة؟! بالتأكيد كل شيء سيختلف.

أخيرا.. قلنا وكررنا وسنظل نقول بأن مواجهتنا مع الأحتلال الأمريكي الإسرائيلي يحتاج منا أن نكون واقعيين وجريئين ومتحركين بشكل دائم، وإلا سنظل نتلقى الضربة تلو الأخرى. نحن نواجه أخبث وأقذر الكائنات، وتجارب الشعوب أثبتت أن البلدان التي تتعرض للغزو يجب أن تتحرك على أساس أنها تتعرض للغزو، ولتتحول المدارس والمعاهد والمساجد إلى معسكرات تدريب، والبيوت معامل تصنيع سلاح، أما أن نعطي أعتبارات أخرى أهمية على حساب استعدادنا، فعندها ليس منطقيا أن تتوقع نتائج تختلف عما نشاهده اليوم.

You might also like