حديث مع الجثث!
حديث مع الجثث!
إب نيوز ٢٨ رجب
عبدالملك سام
البعض لاحظ أنني لم أعد اكتب عن المرتزقة المحليين إلا فيما ندر، رغم أني كنت أتسلى بنقدهم مرة أو مرتين في كل أسبوع، والحقيقة أنني مثلكم “حتى أن نفسي من نفسها تتعجب!” كما قال الشاعر.. ربما أنني كبرت في السن، وللسن حكمه كما تعلمون، ولذلك مللت من شتم الجثث التي ما عادت تحس وتشعر بالخجل، أو ترفض المهانة، أو تتخذ قرارها بنفسها، ولقد أمنت بعد كل هذه السنين أن إكرام الميت في دفنه، ولو أن هؤلاء لا محاسن لهم لنذكرها!
الأمر لا يتوقف على مقال، أو كلمة تستطيع من خلالها أن تقوم بها شخصا أعوج، بل أن الموضوع متعلق بدم نجس يجري في عروق البعض بسبب أكل المال الحرام، أو بسبب تحول جيني لتصبح المذلة جزءاً من تكوينهم، أو لوثة نفسية (ماسوشية) تجعلهم يفضلون من يذلهم ويهينهم. وكما ترون فهذه الأمور تتخطى قدراتي البشرية، بل وقدرات من هم أكبر وأعلم مني، ولعل هذا ما دفع جيفارا ليقول: “لو أستطعت أن تقنع الذباب بأن الزهور أفضل من القمامة، حينها تستطيع أن تقنع الخونة أن الوطن أغلى من المال”.
وكأني أسمع صوت همهمة من بينكم.. أعرف ما تودون قوله، وبأن هناك من يعتقد بأني أتكلم عن هؤلاء بشيء من الطبقية، أو أني أنظر لهم بشيء من الدونية، أو غيرها من التهم! ولكن دعوني أؤكد لكم بأن هذا غير صحيح؛ فالنظرة الدونية تكون عندما ترى أن “الآخر” الذي من نفس “جنسك” أقل شأناً منك، بينما هؤلاء حتى الكلاب ستنظر لهم نظرة دونية، فهم جنس لا يمكن أن تضعه في خانة معينة ضمن جدول تصنيف الكائنات الحية!
أنا أخبرتكم منذ البداية أنني أصبحت ملولا ونزقا جدا هذه الأيام، فللسن حكمه كما تعلمون، ولذلك دعونا نتكلم بوضوح لنختصر على الجميع هذا العناء.. خبروني أنتم عن كلب أو ذئب يقبل أن يخون قطيعه ليعمل لمصلحة ضبع مقابل جحر في أسطنبول! أو حدثوني عن خفاش يقبل أن يضع زوجته وبناته لدى أفعى كرهائن حتى يحصل على مال مقابل عمالته! أو كلموني عن خنفساء توافق على أن تسلم نفسها لعلجوم جائع تحت مسمى صداقة أو تحالف!
كما ترون، فالأمر تعدى التصرفات الحيوانية أو ما يمكن أن يصدر من أي حشرة تحترم نفسها! فهؤلاء صاروا (أشياءً) بلا عقل ولا منطق ولا قيمة، وقد نزلوا بأنفسهم لدرجة غير مسبوقة من الهوان، فلا تلوموني ولوموهم إذا قبلوا أن يسمعوا منكم! فحتى بعد كل ما شاهدناه من وقائع وأحداث حصلت وتحصل للأمة، وبعد مشاهد الدمار والخراب في فلسطين والتي حركت ضمائر شعوب في الطرف الآخر من الكرة الأرضية فتحركت لإيقافه، وحتى بعد أن رأوا حقيقة موقفهم بالغ السوء الذي لم ينالهم منه سوى الذل والهوان والأحتقار.. لكنهم لم يتغيروا!
الكلام إلى هؤلاء المرتزقة أصبح عبثيا وبلا طائل، ونحن لدينا قضايا أكثر اهمية من الحديث مع الجثث، والعالم كله يراقب ما يحدث، ويترقب ماذا سنقول ونفعل.. لدينا جزء من أمتنا ما يزال يعاني ويكافح، ولدينا عدو نمرغ أنفه في البحر ليكف أذاه عنهم، ولدينا المقاطعة والمظاهرات والدعم والتحشيد من أجل قضايانا.. بينما هناك منحطون لم يكتفوا بالتفرج ويشعروا بالعار من تحركنا وقعودهم، بل أنهم لا هم لديهم سوى أن يحاولوا إيقافنا عن التحرك حتى نصبح مثلهم كائنات بلا قيمة ولا شرف.. فدعونا من الأشياء التافهة، وتعالوا نتحدث عن الأشياء الهامة؛ فنحن لسنا مثلهم.