كاتب وباحث أردني : هكذا نُقيّم مشاركة اليمن وحزب الله وآخرين.. وهكذا قد ينقلب يهود العالم على الصهيونية وكيانها
إب نيوز ٢٢ شعبان
حرب الابادة التي يشنها جيش الصهيونية على شعب غزة مستخدماً الحصار والقتل الجماعي والتجويع والتهجير، تواجهها وتواجه وسائلها شعوب العالم ً بضغوطات الشجب والإستنكار، كما تواجهها دول وكيانات عربية ثلاثة هي اليمن وحزب الله والأحزاب العراقية المسلحة بالضغوطات العسكرية بهدف وقف هذا العدوان ووسائله. ونقوم تالياً بمحاولة تقييم بسيطة لهذه الضغوطات ومآلاتها.
نبدأ بشعوب العالم التي تستخدم لتحقيق غرضها النبيل مظاهرات الشجب والإستنكار على اتساع الشارع العالمي دون توقف. ومن ضمن هذه الفئة الواسعة اليهود من مواطني الدول، وكذلك اللوبيات اليهودية الكبيرة في الدول الكبيرة. وما اريد قوله هنا أن هذه الفئة على اتساع العالم فشلت في صنع غرام ضغط واحد على حكومة الكيان الصهيوني لوقف أو تغيير مسار حربها الإبادية. ولعل في هذا ما يعود الى أنها حكومة تحالف زعران من خريجي المافيات والعصابات والسجون لا تفقه سياسة ولا تعرف الأخلاق، مع متطرفين دينيين منطلقهم مجرد مقتطفات إجرامية من ثقافة الموت والإرهاب المركونة في نصوص العهد القديم التي لا تعترف بحقوق الإنسان للأخر وعلى رأسها حق الحياة، وتستحل دمه ومالة وعبوديته، والقتل فيها عبادة , وقد ذكرت في مقال سابق أمثلة نصية مقتبسة وموسعة في ذلك.
وفي سياق هذه الإنتفاضة أو الهبة الشعبية العالمية وضغوطاتها يمكن التحدث بنقطتين، الأولى، أن ستمرار هذه الشعوب في احتجاجاتها وتصعيدها وعدم يأسها من تعنت الكيان، سيؤسس لجانب الأثار السلبية لقذارة العدوان، إلى ملاحقة الكيان مستقبلاً بمواقف سياسية دولية انقلابية. والثانية أن هناك مؤشرات تؤكد على أننا سنشهد انقلابا يهوديا عارما على الصهيونية وكيانها في فلسطين نظرا لما ارتكبه من جرائم باسمهم كيهود ليست من أعمال البشر وغير مسبوقة، وتضع جرائم النازية خلفها. وسيشكل هذا، المسمار الأساس في نعش الصهيونية وكيانها. وهذا أيضا على المدى القصير قد يحرم الكيان من الدعم السياسي والإعلامي والمالي الذي اعتادت اللوبيات حشده وتأمينه له.
أما الجهات الثلاث المشار إليها والتي اختارت فتح جبهات عسكرية مباشرة وغير مباشرة لتحقيق ذات الهدف ووقف العدوان والحصار على غزة،فلتقييم منتوج فعلها نضع أسئلة معيارية تساعدنا وهي، إلى أي مدى أدت مشاركتها غرضها بعد هذه المدة ؟ وهل إيجابية استمرارها في الميزان الوطني ذي جدوى ؟. وهل من الأفضل وقف هذه المشاركة أم استمرارها، أم تطويرا نوعياً ؟. وهذا ما يستطيع كل فريق الإجابة عليه بنفسه.
نبدأ بالعراق والأحزاب المسلحة، ونقول أن العراق الجديد هذا ابتدأ وما زال يُحكم برأسين، أمريكي وإيراني وبالتالي مهما اشتد الصراع بين التنظيمات العراقية المسلحة الموالية لإيران وبين القوات الأمريكية في العراق فإنها ستصل في النهاية الى حالة من التوازن والتوقف. ومن ناحية أخرى،فإن هذه التنظيمات لم تصمم بتسليحها للمواجهة مع الكيان الصهيوني في فلسطين،بل للحفاظ على التوازن في التأثير والوجود بين إيران وأمريكا في العراق. وبالتالي لم يكن لتدخلها وعملياتها أي تأثير على مجرى العدوان الصهيوني على غزة. وكان طبيعيا أن تتوقف ومعها ردات الفعل باتفاق بين الرأسين وقرار شكلي عراقي.
أما بالنسة لليمن وانصار الله فإن المؤشرات الواضحة تثبت أن طبيعة وهدف مشاركتها العسكرية أصابت في الصميم هدف الضغط على الكيان الصهيوني وحلفائه لوقف الحرب والحصار على غزة. والمتابع يلاحظ هذا من خلال تطور التصريحات الأمريكية نحو تأييدها لوقف الحرب في غزة بعد تأكدها من جدية ومشروعية وصلابة الموقف اليمني في منع السفن التجارية وغير التجارية المتجهة للكيان. وكذلك من خلال الاستغاثة الأمريكية بحلف او تحالف عسكري على اليمن. وهنا لا بد من التذكير بوجود فرق ما بين الرأي الأمريكي والموقف الأمريكي ازاء سلوكيات الكيان، فقد تختلف أمريكا معه في الرأي بمسألة ما لكن موقفها العملي يكون دائما لجانب السلوك الصهيوني ضمن الشأن العربي والقضية الفلسطينية، وهذا من صميم تفاهمات التحالف الاستراتيجي بين الكيان وأمريكا.
ولا بد هنا من التأكيد على عظمة وذكاء ما اختارته القيادة اليمنية على طريق المواجهة والضغط على الكيان وحلفه. فالبحر الأحمر بحيرة استراتيجية عربية خالصة وحق عربي يستخدم أسوأ استخدام من أعدائنا الوجوديين.وما قام به اليمن يستمد أهميته من نقاط كثيرة منها الجرأه على لفت انتباه أعدائنا وأصدقائنا والعالم على هذه الحقيقة، وأن بإمكاننا التلويح بها وبتنفيذها بنجاح. وباعتقادي أن أي نظام عربي وليس فقط مشاطئ للأحمر لا يقدم الدعم بصورة ما لليمن في حقه باستخدام البحر الأحمر لتنفيذ شروطه العادلة على الكيان لفك الحصار غير القانوني واللا أخلاقي أو إنساني على غزة، يكون مخطئاً ومصطفاً مع حصار غزة. وعلى أية حال، من ينظر لمفردات الجغرافيا والطوبوغرافيا والديمغرافيا اليمنية، ولشيء من التاريخ، يحكم باستحالة الانتصار على اليمنيين.
اما بالنسبة لحزب الله، فالتقييم الدقيق لمشاركته صعب ومستحيل على من لا يريد أن يأخذ بالحسبان فرادة الخصوصية المتعلقة بالحزب كقوة إقليمية ضاربة مقاومة، وما يفرضه هذا عليه من مسؤوليات اقليمية ودولية ولبنانية، وعلى طبيعة مشاركته حجما ونوعاً وتأثيراً. ولقد وضعته حماس حين فاجأته بشنها للمعركة في حرج شديد ومربك جداً. ولكنه استطاع أن يُخَلص نفسه من هذا الحرج بشرف ووفاء وبكلفة كبيرة قوامها الدم. ولم يتردد في فتح جبهة في شمال فلسطين للهدف المعلن. ولتقييم هذه المشاركة بشكل علمي وبمنطق سياسي مسؤول وإخضاعها للأسئلة المعيارية المشار اليها، فعلينا أن نأخذ تلك الخصوصيات المشار اليها بالحسبان، فلطبيعة مشاركة حزب الله بالذات، تقييم مختلف عند العدو والدول الكبرى.
فالحزب إيراني التشكيل والتمويل والتسليح والتدريب والعقيدة، ومن البديهي أن يكون في خدمة السياسات الإستراتيجية الإيرانية. وهي سياسات مناهضة لأمريكا وللكيان الصهيوني ومناصرة بشدة للقضية الفلسطينية وما زالت، وتتقاطع مصالحها بشدة مع مصالحنا كشعب عربي مقاوم ورافض لسياسات وخيانات حكامه. وليس من الطبيعي أن يُطلب من إيران ما يُطلب من الفلسطيني أو العربي، بل الطبيعي أن تقارن إيران بالدول الإسلامية وبعطاء الدول الإسلامية، ولا أن يُطلب منها أن تدخل في حرب مفتوحة مع امريكا واسرائيل وتتحمل النتائج المدمرة على أية خلفية كانت، وليس فقط خلفية مصالح عربية أو فلسطينية. ويكفينا خجلا من أنفسنا كعرب ويكفيها عزاً وفخاراً وأداء للواجب الإسلامي أنها وحدها التي تكفلت رغم المخاطر الكبيرة ببناء وتعزيز المقاومة الفلسطينية واليمنية ولها يعزى الفضل الكبير في صمود هذه المقاومة. ومن هنا كانت وما زالت طبيعة مشاركة حزب الله محسوبة بالحجم والنوع والجغرافيا والمسافات.
الكثيرون يتمنون وربما خاطئين أن يطور حزب الله مشاركتة العسكرية. ولكن علينا أن ندرك بأن هذا يؤدي لحرب مفتوحة مع إسرائيل تؤدي بدورها مباشرة لحرب اقليمية تكون فيها إيران وحزب الله ولبنان الأكثر تضرراً فهل هذا ما نريده. وفي هذا السياق فإن الحرب الإقليمية بالنسبة لأمريكا مرفوضة كما هي لإيران وأقرب للخط الأحمر. ولكن أمريكا تفعلها في حالة أن يقوم حزب الله أو إيران بمهاجمة الكيان نوعياً. بينما إلكيان يسعى لهذه الحرب في كل الحالات، ومؤخراً من خلال محاولاته كسر قواعد الاشتباك التي حددها حزب الله في هذه الحرب، على أن تخوض إمريكا حربه. وعليه فنحن نتألم لدم مئات الشهداء من مقاتلي حزب الله تضامناً مع غزة والدم الفلسطيني، وحتى لو أوقع الحزب مقابلهم الأضعاف من القتلى والتهجير الصهيوني. ولست بعد هذا القول والمقال بحاجة للحديث أكثر ولا غيري ربما، عن فعالية مشاركة الحزب، ولا عن تطويرها.
*فؤاد البطاينة
كاتب وباحث اردني