عطوان : هل ستستورد “حماس” خبراء من اليمن للتعاطي مع الميناء الأمريكي الجديد في غزة؟ ولماذا لا نستبعد اعتمادها العقيدة الجزائرية الجهادية لإجهاض مشروع المخاتير وشيوخ العشائر البديلة في القطاع بدعم خليجي امريكي؟
إب نيوز ٢٩ شعبان
عبد الباري عطوان
انهارت مفاوضات القاهرة، ولم تحقق طموحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتوصل الى اتفاق وقف لإطلاق النار قبل حلول شهر رمضان المبارك، وغادر وفد حماس المشارك فيها بصورة غير مباشرة العاصمة المصرية دون ان ينظر خلفه، بعد التعليمات الصارمة التي وصلته من المجاهد يحيى السنوار بعدم التفاوض على رد الحركة النهائي الشامل، وتقديم أي تنازلات بالتالي، اما ان يُقبل كله، او يُرفض كله، في لغة جديدة غير معروفة في القاموس العربي التفاوضي.
الموضوع الرئيسي الذي بات يحتل العناوين الرئيسية بعد هذا الانهيار يتفرع الى عدة عناوين:
الأول: إعلان الرئيس الأمريكي بايدن بناء رصيف بحري مؤقت قبالة سواحل غزة لاستقبال سفن مساعدات قادمة من ميناء لارنكا القبرصي، وسيقوم الجيش الأمريكي بهذه المهمة.
الثاني: تسليح قوات فلسطينية محلية، ليست من السلطة ولا من حركة “حماس”، للقيام بمهمة حماية المساعدات والإشراف على توزيعها، وتتردد أنباء ان دولة الامارات العربية المتحدة أرسلت وفدا الى العريش من عسكرها، ومعهم مجموعة من الفلسطينيين الموالين لها، لإختيار هؤلاء المسلحين الذين سيكونون نسخة جديدة “محسنة” من روابط القرى، وتضم مخاتير وزعماء عشائر، ومعارضين لحركة “حماس” وفصائل المقاومة.
الثالث: التأكد من عدم وصول أي مساعدات لحركة “حماس” وإلغاء جهاز مباحث التموين التابع لها، ويتولى مهمة توزيع المساعدات والمواد التموينية الى المواطنين وكبار التجار.
الرابع: جميع هذه الإجراءات تحظى بضوء أخضر امريكي، ودعم مالي خليجي خاصة من الامارات ودولة قطر، حيث وافقت الدولتان على تسديد جميع التكاليف المالية للمساعدات وشحنها الى القطاع.
***
معبر رفح، والسلطة المصرية مغيبان من هذه المخططات الامريكية الإسرائيلية المشتركة لما يسمى “مرحلة ما بعد حماس في القطاع”، مما يعني تهميش كامل لمصر، وإلغاء دورها الإقليمي خاصة في الأمور التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، سواء في الوقت الراهن او في المستقبلين القريب والبعيد.
هذه المخططات الامريكية الإسرائيلية المدعومة من بعض القوى الإقليمية مثل الأردن ودول الخليج، تكشف ضحالة فكر أصحابها، والامريكيين منهم على وجه الخصوص، مثلما تعكس إفلاسهم فكريا وعملياتيا، وعدم معرفتهم بالخرائط السياسية والعسكرية والاجتماعية في قطاع غزة، والتطورات الأخيرة في ميادين القتال.
صاروخ واحد تطلقه المقاومة في القطاع على هذا الرصيف البحري الأمريكي (ميناء مؤقت)، او على السفن القادمة اليه، سيؤدي الى تدميره بالكامل، اذا كان الهدف من بنائه هو إنهاء سلطة حماس وتأليب الحاضنة الفلسطينية ضدها، وتهجير أهل القطاع الى أوروبا تنفيذا لمخطط نتنياهو، وهذه الصواريخ متوفرة بكثرة، بالإضافة الى سلاح الضفادع البشرية الذي يملك الجاهزية الكاملة لتدمير هذا الرصيف، وهناك سوابق عديدة له في هذا المضمار.
فاذا كانت هذه الخبرات غير موجودة لدى فصائل المقاومة في القطاع، فيمكن استيرادها من اليمن السعيد جدا هذه الأيام، الذي نجحت قواته البحرية في إغلاق باب المندب، وهاجمت صواريخه ومسيراته، السفن العسكرية الامريكية في البحرين الأحمر والعربي، وقد أعربت القيادة اليمنية بشقيها السياسي والعسكري، عن استعدادها لإرسال خبرائها الى القطاع للمشاركة في التصدي للعدوان الإسرائيلي.
اما اذا انتقلنا الى الخطوة الأخرى التي لا تقل أهمية، ويثير اللجوء اليها الكثير من علامات الاستفهام، أي تسليح بعض العملاء والخونة لتشكيل ميليشيا محلية في القطاع تحت ذريعة حماية المساعدات والاشراف على توزيعها، والحلول محل مؤسسات حركة “حماس” في هذا الميدان، فيمكن القول وبكل بساطة انها فكرة، او خطوة، محكوم عليها بالفشل، لعدة أسباب:
أولا: الغالبية الساحقة من أبناء قطاع غزة متمسكون بحكومة “حماس” وقيادتها، ويمكن التذكير بأن أبرز إنجازات هذه الحكومة في القطاع، تحقيق الأمن وإنهاء سيطرة العشائر، وإجتثاث مافياتها التي نشرت الفوضى في زمن حكم السلطة، وفرضها قوانينها (أي العشائر)، او نزع سلاحها بالكامل، وهذه الإنجازات تحظى بتقدير كبير من قبل أهل القطاع، ويعترف بها حتى خصوم “حماس” في حركة “فتح”.
ثانيا: سيتم تصنيف جميع المنخرطين في روابط القرى الجديدة في خانة “العملاء”، مما يعني وضعهم على قائمة التصفية الجسدية الفورية، سواء على أيدي رجال المقاومة، او من قبل الشعب، والقطاع بات غابة سلاح.
ثالثا: ربما يفيد التذكير بأن المجاهد يحيى السنوار كان هو الذي يقوم بتصفية العملاء شخصيا، ويقال انه صفّى حوالي 17 منهم قبل اعتقاله بهذه التهمة، الى جانب تأسيس “كتائب القسام” والحكم عليه بالسجن عدة مؤبدات قضى 23 عاما منها خلف القضبان حتى تم الافراج عنه في صفقة شاليط.
رابعا: المقاومة في القطاع قد تتبنى عقيدة المقاومة الجهادية الجزائرية للتعاطي مع هؤلاء العملاء، وهي العقيدة التي تقول بأن المجاهد يجب ان يكون في جعبته 10 رصاصات، تسعة منها لقتل العملاء، وواحدة لقتل العدو، وليس كل ما يعرف يقال.
***
ختاما نقول ان جميع هذه المخططات الامريكية الإسرائيلية المدعومة من بعض العرب، محكوم عليها بالفشل، فمنذ ان بدأت معركة “طوفان الأقصى” ونحن نسمع ونقرأ الكثير من السيناريوهات عن مرحلة “ما بعد حماس” في قطاع غزة، وها هي الحرب تدخل شهرها السادس دون ان تحقق أي منها، فأين البيانات التي تؤكد إنهاء سيطرة “حماس” على القطاع، وصدرت بعد أسبوعين من الغزو الإسرائيلي، وأين مشاريع إغراق الانفاق بماء البحر، وأين الأحاديث عن معرفة قوات الاحتلال لمخبأ السنوار، وان اغتياله بات مسألة بضعة ساعات؟
لا نستبعد ان يكون الشغل الشاغل للمجاهد السنوار في هذه اللحظات هو كيفية وضع الخطط لتدمير الرصيف البحري الاحتلالي الأمريكي قبل وضع أسسه، اما خطة تشكيل ميليشيا العشائر، والوجهاء، فلا تستحق التفكير لتفاهتها، فاذا كانت “عشيرة السلطة” المدججة بالأسلحة والدروع انهارت في أيام معدودة في القطاع، فكم دقيقة، او ساعة، ستعمّر سلطة العشائر والمخاتير، ورجال الاعمال، والطابور الخامس الذي يشكل المظلة لها؟
نترك الإجابة للأيام القليلة المقبلة التي ستكون حافلة بالمفاجآت.. والأيام بيننا يا جو بايدن